[الفرقان: 48] ومعناه: مطهرا، فحيثما وجد فواجب أن يكون مطهرا. ولو شرطنا فيه النية كنا قد سلبناه الصفة التي وصفه الله بها من كونه طهورا، لأنه حينئذ لا يكون طهورا إلا بغيره، والله تعالى جعله طهورا من غير شرط معنى آخر فيه.
فإن قيل: إيجاب شرط النية فيه لا يخرجه من أن يكون طهورا كما وصفه الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا "، وقال: " التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء " ولم يمنع ذلك إيجاب النية شرطا فيه. قيل له: إنما سماه طهورا على وجه المجاز تشبيها له بالماء في باب إباحة الصلاة، والدليل عليه أنه لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس، فعلمنا أنه سماه طهورا استعارة ومجازا. ومن جهة أخرى أن إثبات النية شرطا في التيمم جائز مع قوله: " التراب طهور المسلم " ولا يجوز مثله في الوضوء، وذلك لأن قوله: (فتيمموا) يقتضي إيجاب النية، إذ كان التيمم هو القصد في اللغة، وقوله: " التراب طهور المسلم " وارد من طريق الآحاد، فواجب أن يكون الخبر مرتبا على الآية، إذ غير جائز ترك حكم الآية بالخبر وتجوز الزيادة في حكم الخبر بالآية، وليس ذلك كقوله: (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) [الفرقان: 48] لأنه غير جائز أن يزاد في نص القرآن إلا بمثل ما يجوز به نسخه. ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) [الأنفال: 11] فأبان الله تعالى عن وقوع التطهير بالماء من غير شرط النية فيه.
فإن قيل: لما كان قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) الآية، مقتضيا لفرض الطهارة، فمن حيث كان فرضا وجب أن تكون النية شرطا في صحته لاستحالة وقوع الفعل موقع الفرض إلا بالنية، وذلك لأن الفرض يحتاج في صحة وقوعه إلى نيتين إحداهما نية التقرب به إلى الله تعالى والأخرى نية الفرض، فإذا لم ينوه لم توجد صحة الفرض، فلم يجز عن الفرض إذ هو غير فاعل للمأمور به. قيل له: إنما يجب ما ذكرت في الفروض التي هي مقصودة لأعيانها ولم تجعل سببا لغيرها، فأما ما كان شرطا لصحة فعل آخر فليس يجب ذلك فيه بنفس ورود الأمر إلا بدلالة تقارنه، فلما جعل الله الطهارة شرطا لصحة الصلاة ولم تكن مفروضة لنفسها، لأن من لا صلاة عليه فليس عليه فرض الطهارة كالمريض المغمى عليه أياما وكالحائض والنفساء، وقال تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) وقال: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) [النساء:
43] فجعله شرطا في غيره ولم يجعله مأمورا به لنفسه، فاحتاج موجب النية شرطا فيه إلى دلالة من غيره، ألا ترى أن كثيرا مما هو شرط في الفرض وليس بمفروض بعينه فجائز أن يكون من فعل غيره نحو الوقت الذي هو شرط في صحة أداء الصلاة ولا صنع