أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٤١٨
إنه تنام عيناي ولا ينام قلبي لو أحدثت لعلمته " وهذا الحديث يدل على أن النوم في نفسه ليس بحدث، وأن إيجاب الوضوء فيه إنما هو لما عسى أن يكون فيه من الحدث الذي لا يشعر به وهو الغالب من حال النائم. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " العين وكاء السه فإذا نامت العين استطلق الوكاء "، فلما كان الأغلب في النوم الذي يستثقل فيه النائم وجود الحدث فيه، حكم له بحكم الحدث، وهذا إنما هو في النوم المعتاد الذي يضع النائم جنبه على الأرض ويكون في المضطجع من غير علم منه بما يكون منه، فإذا كان جالسا أو على حال من أحوال الصلاة لغير ضرورة مثل القيام والركوع والسجود لم تنتقض طهارته، لأن هذه أحوال يكون الانسان فيها محتفظا، وإن كان منه حدث علم به.
وقد روى يزيد بن عبد الرحمن عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس على من نام ساجدا وضوء حتى يضطجع فإذا اضطجع استرخت مفاصله ".
فصل قال أبو بكر: قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة) لما كان ضميره ما وصفنا من القيام من النوم أو إرادة القيام إليها في حال الحدث، فأوجب ذلك تقديم الطهارة من الأحداث للصلاة، وكانت الصلاة اسما للجنس يتناول سائرها من المفروضات والنوافل، اقتضى ذلك أن تكون من شرائط صحة الصلاة الطهارة أي صلاة كانت، إذ لم تفرق الآية بين شئ منها، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: " لا يقبل الله صلاة بغير طهور ".
قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) يقتضي إيجاب الغسل، والغسل اسم لإمرار الماء على الموضع إذا لم تكن هناك نجاسة، وإذا كان هناك نجاسة فغسلها إزالتها بإمرار الماء أو ما يقوم مقامه، فقوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) إنما المقصد فيه إمرار الماء على الموضع، إذ ليس هناك نجاسة مشروط إزالتها، فإذا ليس عليه ذلك الموضع بيده وإنما عليه إمرار الماء حتى يجري على الموضع. وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أوجه:
فقال مالك بن أنس: " عليه إمرار الماء وذلك الموضع بيده وإلا لم يكن غسلا ". وقال آخرون، وهو قول أصحابنا وعامة الفقهاء: " عليه إجراء الماء عليه وليس عليه دلكه بيده ". وروى هشام عن أبي يوسف: " أنه إن مسح الموضع بالماء كما يسمح بالدهن أجزأه ". والدليل على بطلان قول موجبي ذلك الموضع أن اسم الغسل يقع على إجراء الماء على الموضع من غير دلك، والدليل على ذلك أنه لو كان على بدنه نجاسة فوالى بين صب الماء عليه حتى أزالها سمي بذلك غاسلا وإن لم يدلكه بيده، فلما كان الاسم يقع عليه مع عدم الدلك لأجل إمرار الماء عليه، وقال الله تعالى: (فاغسلوا)، فهو متى أجرى الماء على الموضع فقد فعل مقتضى الآية وموجبها، فمن شرط فيه دلك الموضع
(٤١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 ... » »»