حاجة إلى ابن عباس، فلما قضى حاجته من ابن عباس كان من حديثه يومئذ قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم في سكة من سكك المدينة وقد خرج من غائط أو بول، فخرج عليه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب بكفيه على الحائط ثم مسح وجهه ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه إلى المرفقين، ثم رد على الرجل السلام وقال: " لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني لم أكن على وضوء " أو قال: " على طهارة ". فهذا يدل على أن رد السلام كان مشروطا فيه الطهارة، وجائز أن يكون ذلك كان خاصا للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يرو أنه نهى عن رد السلام إلا على طهارة. ويدل على أن ذلك كان على الوجوب أنه تيمم حين خاف فوت الرد، لأن رد السلام إنما يكون على الحال، فإذا تراخى فات، فكان بمنزلة من خاف فوت صلاة العيد أو صلاة الجنازة إن توضأ فيجوز له التيمم. وجائز أن يكون قد نسخ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون هذا الحكم قد كان باقيا إلى أن قبضه الله تعالى. وقد روي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أنهم كانوا يتوضؤون لكل صلاة، وهذا محمول على أنهم فعلوه استحبابا. وقال سعد: " إذا توضأت فصل بوضوئك ما لم تحدث ". وقد روى ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس أن عبيد بن عمير كان يتوضأ لكل صلاة ويتأول قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة) فأنكر ذلك عليه ابن عباس.
وقد روي نفي إيجاب الوضوء لكل صلاة من غير حدث عن ابن عمر وأبي موسى وجابر بن عبد الله وعبيدة السلماني وأبي العالية وسعيد بن المسيب وإبراهيم والحسن، ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار في فضيلة تجديد الوضوء، منها ما حدثنا من لا أتهم قال: حدثنا محمد بن زيد قال: حدثنا سعيد قال: حدثنا سلام الطويل عن زيد العمى عن معاوية بن قرة عن ابن عمر قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ مرة مرة وقال: " هذا وظيفة الوضوء وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به " ثم تحدث ساعة، ثم دعا بماء فتوضأ مرتين مرتين فقال: " هذا وضوء من توضأ به ضاعف الله له الأجر مرتين "، ثم تحدث ساعة، ثم دعا بماء فتوضأ ثلاثا ثلاثا فقال: " هذا وضوئي ووضوء النبيين من قبلي ". وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الوضوء على الوضوء نور على نور ". وقال صلى الله عليه وسلم: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالوضوء عند كل صلاة ". فهذا كله يدل على استحباب الوضوء عند كل صلاة وإن لم يكن محدثا، وعلى هذا يحمل ما روي عن السلف من تجديد الوضوء عند كل صلاة، وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه توضأ ومسح على نعليه وقال: " هذا وضوء من لم يحدث " ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم. فثبت بما قدمنا أن قوله تعالى:
(إذا قمتم إلى الصلاة) غير موجب للوضوء لكل صلاة، وثبت أنه غير مستعمل على