به. وأيضا فإن العبد لا يملك منافعه وللمولى منعه من الحج باتفاق، ومنافع العبد هي ملك للمولى، فإذا فعل بها الحج صار كحج فعله المولى فلا يجزيه من حجة الاسلام.
ويدل عليه أن العبد لا يملك منافعه أن المولى هو المستحق لأبدالها إذا صارت مالا، وأن له أن يستخدمه ويمنعه من الحج، فإذا أذن له فيه صار معيرا له ملك المنافع فهي متلفة على ملك المولى فلا يجزئ العبد، وليس كذلك الفقير لأنه يملك منافع نفسه، وإذا فعل بها الحج أجزأه لأنه قد صار من أهل الاستطاعة.
فإن قيل: للمولى منع العبد من الجمعة، وليس العبد من أهل الخطاب بها وليس عليه فرضها، ولو حضرها وصلاها أجزأته، فهلا كان الحج كذلك! قيل له: إن فرض الظهر قائم على العبد ليس للمولى منعه منها، فمتى فعل الجمعة فقد أسقط بها فرض الظهر الذي كان العبد يملك فعله من غير إذن المولى، فصار كفاعل الظهر، فلذلك أجزأه، ولم يكن على العبد فرض آخر يملك فعله فأسقط بفعل الحج حتى نحكم بجوازه ونجعله في حكم ما هو مالكه، فلذلك اختلفا.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حج العبد ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا بشر بن موسى قال: حدثنا يحيى بن إسحاق قال: حدثنا يحيى بن أيوب عن حرام بن عثمان عن ابني جابر عن أبيهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن صبيا حج عشر حجج ثم بلغ لكانت عليه حجة إن استطاع إليها سبيلا، ولو أن أعرابيا حج عشر حجج ثم هاجر لكانت عليه حجة إن استطاع إليها سبيلا، ولو أن مملوكا حج عشر حجج ثم أعتق لكانت عليه حجة إن استطاع إليها سبيلا ". وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا موسى بن الحسن بن أبي عباد قال: حدثنا محمد بن المنهال قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما صبي حج ثم أدرك الحلم فعليه أن يحج أخرى، وأيما أعرابي حج ثم هاجر فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى "، فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم على العبد أن يحج حجة أخرى، ولم يعتد له بالحجة التي فعلها في حال الرق، وجعله بمنزلة الصبي، فإن قيل: فقد قال مثله في الأعرابي، وهو مع ذلك يجزيه الحجة المفعولة قبل الهجرة. قيل له: كذلك كان حكم الأعرابي في حال ما كانت الهجرة فرضا، لأنه يمتنع أن يقول ذلك بعد نسخ فرض الهجرة، فلما قال صلى الله عليه وسلم: " لا هجرة بعد الفتح " نسخ الحكم المتعلق به من وجوب إعادة الحج بعد الهجرة، إذ لا هجرة هناك واجبة. وقد روي نحو قولنا في حج العبد عن ابن عباس والحسن وعطاء.
قال أبو بكر: والذي يقتضيه ظاهر قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت) حجة