أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣١
الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال: " السبيل إلى الحج الزاد والراحلة ". وروى يونس عن الحسن: لما نزلت هذه الآية: (ولله على الناس حج البيت) الآية قال رجل:
يا رسول الله ما السبيل؟ قال: " زاد وراحلة ". وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس قال:
" السبيل الزاد والراحلة ولم يحل بينه وبينه أحد ". وقال سعيد بن جبير: " هو الزاد والراحلة ".
قال أبو بكر: فوجود الزاد والراحلة من السبيل الذي ذكره الله تعالى ومن شرائط وجوب الحج، وليست الاستطاعة مقصورة على ذلك، لأن المريض والخائف والشيخ الذي لا يثبت على الراحلة والزمني وكل من تعذر عليه الوصول إليه فهو غير مستطيع السبيل إلى الحج، وإن كان واجدا للزاد والراحلة، فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد بقوله: " الاستطاعة الزاد والراحلة " أن ذلك جميع شرائط الاستطاعة، وإنما أفاد ذلك بطلان قول من يقول: " إن من أمكنه المشي إلى بيت الله ولم يجد زادا وراحلة فعليه الحج " فبين صلى الله عليه وسلم أن لزوم فرض الحج مخصوص بالركوب دون المشي، وأن من لا يمكنه الوصول إليه إلا بالمشي الذي يشق ويعسر فلا حج عليه.
فإن قيل: فينبغي أن لا يلزم فرض الحج إلا من كان بينه وبين مكة مسافة ساعة إذا لم يجد زادا وراحلة وأمكنه المشي. قيل له: إذا لم يلحقه في المشي مشقة شديدة فهذه أيسر أمرا من الواجد للزاد والراحلة إذا بعد وطنه من مكة، ومعلوم أن شرط الزاد والراحلة إنما هو لأن لا يشق عليه ويناله ما يضره من المشي، فإذا كان من أهل مكة وما قرب منها ممن لا يشق عليه المشي في ساعة من نهار فهذا مستطيع للسبيل بلا مشقة، وإذا كان لا يصل إلى البيت إلا بالمشقة الشديدة فهو الذي خفف الله عنه ولم يلزمه الفرض إلا على الشرط المذكور ببيان النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) [الحج: 78] يعني: من ضيق. وعندنا أن وجود المحرم للمرأة من شرائط الحج، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا فوق ثلاث إلا مع ذي محرم أو زوج ". وروى عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم " فقال رجل:
يا رسول الله إني قد اكتتبت في غزوة كذا وقد أرادت امرأتي أن تحج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حجج مع امرأتك ". وهذا يدل على أن قوله: " لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم " قد انتظم المرأة إذا أرادت الحج من ثلاثة أوجه، أحدها: أن السائل عقل منه ذلك، ولذلك سأله عن امرأته وهي تريد الحج، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه، فدل على أن مراده صلى الله عليه وسلم عام في الحج وغيره من الأسفار. والثاني: قوله: " حج مع امرأتك " وفي
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»