ذلك إخبار منه بإرادة سفر الحج في قوله: " لا تسافر المرأة إلا ومعها ذو محرم ".
والثالث: أمره إياه بترك الغزو للحج مع امرأته، ولو جاز لها الحج بغير محرم أو زوج لما أمره بترك الغزو وهو فرض للتطوع، وفي هذا دليل أيضا على أن حج المرأة كان فرضا ولم يكن تطوعا، لأنه لو كان تطوعا لما أمره بترك الغزو الذي هو فرض لتطوع المرأة. ومن وجه آخر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأله عن حج المرأة أفرض هو أم نفل، وفي ذلك دليل على تساوي حكمهما في امتناع خروجها بغير محرم، فثبت بذلك أن وجود المحرم للمرأة من شرائط الاستطاعة، ولا خلاف أن من شرط استطاعتها أن لا تكون معتدة، لقوله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة) [الطلق: 1]، فلما كان ذلك معتبرا في الاستطاعة وجب أن يكون نهيه للمرأة أن تسافر بغير محرم معتبرا فيها.
ومن شرائطه ما ذكرنا من إمكان ثبوته على الراحلة، وذلك لما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا موسى بن الحسن بن أبي عباد قال: حدثنا محمد بن مصعب قال: حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس: أن امرأة من خثعم سألت النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: " نعم حجي عن أبيك ". فأجاز صلى الله عليه وسلم للمرأة أن تحج عن أبيها، ولم يلزم الرجل الحج بنفسه، فثبت بذلك أن من شرط الاستطاعة إمكان الوصول إلى الحج. وهؤلاء وإن لم يلزمهم الحج بأنفسهم إذا كانوا واجدين للزاد والراحلة، فإن عليهم أن يحجوا غيرهم عنهم، أعني المريض والزمن والمرأة إذا حضرتهم الوفاة فعليهم أن يوصوا بالحج، وذلك أن وجود ما يمكن به الوصول إلى الحج في ملكهم يلزمهم فرض الحج في أموالهم إذا لم يمكنهم فعله بأنفسهم، لأن فرض الحج يتعلق بمعنيين: أحدهما بوجود الزاد والراحلة وإمكان فعله بنفسه، فعلى من كانت هذه صفته الخروج. والمعنى الآخر: أن يتعذر فعله بنفسه لمرض أو كبر سن أو زمانة أو لأنها امرأة لا محرم لها ولا زوج يخرج معها، فهؤلاء يلزمهم الحج بأموالهم عند الإياس والعجز عن فعله بأنفسهم. فإذا أحج المريض أو المرأة عن أنفسهما ثم لم يبرأ المريض ولم تجد المرأة محرما حتى ماتا أجزأهما، وإن برئ المريض ووجدت المرأة محرما لم يجزهما. وقول الخثعمية للنبي صلى الله عليه وسلم: " إن أبي أدركته فريضة الله في الحج وهو شيخ كبير لا يستمسك على الراحلة " وأمر النبي صلى الله عليه وسلم إياها بالحج عنه، يدل على أن فرض الحج قد لزمه في ماله وإن لم يثبت على الراحلة، لأنها أخبرته أن فريضة الله تعالى أدركته وهو شيخ كبير، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم قولها ذلك، فهذا