أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٠
ولم يطعم ولم يسق حتى يخرج، لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يسكنها سافك دم ". وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار قال: حدثنا داود بن عمرو قال: حدثنا محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس قال: " إذا دخل القاتل الحرم لم يجالس ولم يبايع ولم يؤو واتبعه طالبه يقول له: اتق الله في دم فلان واخرج من الحرم ".
ونظير قوله تعالى: (ومن دخله كان آمنا) قوله عز وجل: (أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم) [العنكبوت: 67]، وقوله: (أو لم نمكن لهم حرما آمنا [القصص: 57]، وقوله: (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وآمنا) [البقرة:
125]، فهذه الآي متقاربة المعاني في الدلالة على حظر قتل من لجأ إليه وإن كان مستحقا للقتل قبل دخوله. ولما عبر تارة بذكر البيت وتارة بذكر الحرم دل على أن الحرم في حكم البيت في باب الأمن ومنع قتل من لجأ إليه. ولما لم يختلفوا أنه لا يقتل من لجأ إلى البيت لأن الله تعالى وصفه بالأمن فيه، وجب مثله في الحرم فيمن لجأ إليه.
فإن قيل: من قتل في البيت لم يقتل فيه ومن قتل في الحرم قتل فيه، فليس الحرم كالبيت. قيل له: لما جعل الله حكم الحرم حكم البيت فيما عظم من حرمته، وعبر تارة بذكر البيت وتارة بذكر الحرم، اقتضى ذلك التسوية بينهما إلا فيما قام دليل تخصيصه، وقد قامت الدلالة في حظر القتل في البيت فخصصناه، وبقي حكم الحرم على ما اقتضاه ظاهر القرآن من إيجاب التسوية بينهما، والله تعالى أعلم.
باب فرض الحج قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال أبو بكر:
هذا ظاهر في إيجاب فرض الحج على شريطة وجود السبيل إليه. والذي يقتضيه من حكم السبيل أن كل من أمكنه الوصول إلى الحج لزمه ذلك، إذ كانت استطاعة السبيل إليه هي إمكان الوصول إليه، كقوله تعالى: (فهل إلى خروج من سبيل) [غافر: 11] يعني: من وصول، و (هل إلى مرد من سبيل) [الشورى: 44] يعني: من وصول. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم من شرط استطاعة السبيل إليه وجود الزاد والراحلة. وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من ملك زادا وراحلة يبلغه بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا، وذلك أن الله تعالى يقول في كتابه: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا). وروى إبراهيم بن يزيد الخوزي عن محمد بن عباد عن ابن عمر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: ولله على
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»