أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٣٥
114] لا دلالة فيه على تحديد الوقت لاحتماله أن يريد الظهر والعصر، وذلك لأن وسط النهار هو وقت الزوال، فما كان منه في النصف الآخر فهو طرف، وكذلك ما كان منه في النصف الأول فهو طرف. وجائز أن يريد به العصر، لأن آخر النهار من طرفه، والأولى أن يكون المراد العصر دون الظهر، لأن طرف الشئ إما أن يكون ابتداءه أو نهايته وآخره ويبعد أن يكون ما قرب من الوسط طرفا، إلا أن الحسن في رواية عمرو قد تأوله على الظهر والعصر جميعا وقد روى عنه يونس أنه العصر، وهو أشبه بمعنى الآية، ألا ترى أن طرف الثوب ما يلي نهايته ولا يسمى ما قرب من وسطه طرفا؟ فهذه الآي دالة على أعداد الصلوات. وقوله تعالى: (حافظوا على الصلوات) [البقرة: 238] الآية، يدل على أنها وتر لأن الشفع لا وسط له، وقد تواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم ونقلت الأمة عنه قولا وفعلا فرض الصلوات الخمس. وقد روى أنس بن مالك وعبادة بن الصامت في حديث المعراج عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه أمر بخمسين صلاة، وأنه لم يزل يسأل ربه التخفيف حتى استقرت على خمس "، وهذا عندنا كان فرضا موقوفا على اختيار النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، لأنه لا يجوز نسخ الفرض قبل التمكن من الفعل، وقد بيناه في أصول الفقه، ولا خلاف بين المسلمين في فرض الصلوات الخمس. وقال جماعة من السلف بوجوب الوتر، وهو قول أبي حنيفة، وليس هو بفرض عنده وإن كان واجبا، لأن الفرض ما كان في أعلى مراتب الإيجاب. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار متواترة في بيان تحديد أوقات الصلوات، واتفقت الأمة في بعضها واختلفت في بعض.
وقت الفجر فأما أول وقت الفجر فلا خلاف فيه أنه من حين يطلع الفجر الثاني الذي يعترض في الأفق، وروى سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس الفجر أن يقول هكذا - وجمع كفه - حتى يقول هكذا - ومد أصبعيه السبابتين ". وروى قيس بن طلق عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلوا واشربوا ولا يهدينكم الساطع المصعد، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر ". وروى سفيان عن عطاء عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الفجر فجران: فجر يحل فيه الطعام وتحرم فيه الصلاة، وفجر تحل فيه الصلاة ويحرم فيه الطعام ". وروى نافع بن جبير في
(٣٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 ... » »»