أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣١٥
للحج، لأن الله قد كتب له بمقدار ما كان له من الخروج والنفقة، فلما كان ذلك محتبسا للأول كان الذي وجب أن يقضي عنه ما بقي.
مطلب: فيمن قال: " إن خرجت من داري إلا إلى الصلاة فعبدي حر " فخرج إليها ثم لم يصل وتوجه إلى حاجة أخرى لم يحنث وفيه الدلالة على أن من قال: " إن خرجت من داري إلا إلى الصلاة أو إلى الحج فعبدي حر " فخرج يريد الصلاة أو الحج ثم لم يصل ولم يحج وتوجه إلى حاجة أخرى أنه لا يحنث في يمينه، لأن خروجه بديا كان للصلاة أو للحج لمقارنة النية له، كما كان خروج من خرج مهاجرا قربة وهجرة لمقارنة النية واقتطاع الموت له عن الوصول إلى دار الهجرة لم يبطل حكم الخروج على الوجه الذي وجد بديا عليه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه "، فأخبر أن أحكام الأفعال متعلقة بالنيات، فإذا كان خروجه على نية الهجرة كان مهاجرا، وإذا كان على نية الغزو كان غازيا.
واستدل قوم بهذه الآية على أن الغازي إذا مات في الطريق وجب سهمه من الغنيمة لورثته. وهذه الآية لا تدل على ما قالوا، لأن كونها غنيمة متعلق بحيازتها، إذ لا تكون غنيمة إلا بعد الحيازة، وقال الله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه) [الأنفال: 41]، فمن مات قبل أن يغنم فهو لم يغنم شيئا فلا سهم له، وقوله تعالى:
(فقد وقع أجره على الله) لا دلالة فيه على وجوب سهمه، لأنه لا خلاف أنه لو خرج غازيا من بيته فمات في دار الاسلام قبل أن يدخل دار الحرب أنه لا سهم له، وقد وجب أجره على الله كما وجب أجر الذي خرج مهاجرا ومات قبل بلوغه دار هجرته، والله أعلم.
باب صلاة السفر قال الله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فأباح الله تعالى القصر المذكور في هذه الآية بمعنيين، أحدهما: السفر وهو الضرب في الأرض، والآخر: الخوف. واختلف السلف في معنى القصر المذكور فيها ما هو، فروي عن ابن عباس قال: " فرض الله تعالى صلاة الحضر أربعا وصلاة السفر ركعتين والخوف ركعة على لسان نبيكم عليه السلام ". وروى يزيد
(٣١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 ... » »»