أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٢٧٣
زيد أن عمرو بن شعيب حدثه عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" مثل الذي يسترد ما وهب كمثل الكلب يقئ فيأكل قيئه، فإذا استرد الواهب فليوقف وليعرف بما استرد ثم ليدفع إليه ما وهب ". وقد روى أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن عمرو بن دينار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الرجل أحق بهبته ما لم يثبت منها ". وروى ابن عباس وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لرجل يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه ". وهذا الخبر يدل على معنيين، أحدهما: صحة الرجوع في الهبة، والآخر: كراهته وأنه من لؤم الأخلاق ودناءتها في العادات، وذلك لأنه شبه الراجع في الهبة بالكلب يعود في قيئه. وهو يدل من وجهين على ما ذكرنا، أحدهما: أنه شبهه بالكلب إذا عاد في قيئه، ومعلوم أنه ليس بمحرم على الكلب، فما شبه به فهو مثله. والثاني: أنه لو كان الرجوع في الهبة لا يصح بحال لما شبه الراجع بالكلب العائد في القئ، لأنه لا يجوز تشبيه ما لا يقع بحال بما قد صح وجوده. وهذا يدل أيضا على صحة الرجوع في الهبة مع استقباح هذا الفعل وكراهته. وقد روي الرجوع في الهبة لغير ذي الرحم المحرم عن علي وعمر وفضالة بن عبيد من غير خلاف من أحد من الصحابة رضي الله عنهم عليهم.
وقد روي عن جماعة من السلف أن ذلك في رد السلام، منهم جابر بن عبد الله. وقال الحسن: " السلام تطوع ورده فريضة " وذكر الآية.
ثم اختلف في أنه خاص في أهل الاسلام أو عام في أهل الاسلام وأهل الكفر، فقال عطاء: " هو في أهل الاسلام خاصة ". وقال ابن عباس وإبراهيم وقتادة: " هو عام في الفريقين ". وقال الحسن: " تقول للكافر وعليكم ولا تقل ورحمة الله، لأنه لا يجوز الاستغفار للكفار ". وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تبدأوا اليهود بالسلام فإن بدؤوكم فقولوا وعليكم ". وقال أصحابنا: " رد السلام فرض على الكفاية، إذا سلم على جماعة فرد واحد منهم أجزأ ". وأما قوله تعالى: (بأحسن منها) إذا أريد به رد السلام فهو الزيادة في الدعاء، وذلك إذا قال: " السلام عليكم " يقول هو: " وعليكم السلام
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»