(فما جعل الله لكم عليهم سبيلا)، وفي قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) [الممتحنة: 8] قال: ثم نسخت هذه الآيات: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) [براءة: 1] إلى قوله: (ونفضل الآيات لقوم يعلمون) [براءة: 11]. وقال السدي في قوله: (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق): " إلا الذين يدخلون في قوم بينكم وبينهم أمان فلهم منه مثل ما لهم ". وقال الحسن: " هؤلاء بنو مدلج، كان بينهم وبين قريش عهد وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش عهد، فحرم الله تعالى من بني مدلج ما حرم من قريش ".
مطلب: إذا عقد الامام عهدا بينه وبين قوم يدخل من كان في حيزهم وأهل نصرتهم قال أبو بكر: إذا عقد الإمام عهدا بينه وبين قوم من الكفار فلا محالة يدخل فيه من كان في حيزهم ممن ينسب إليهم بالرحم أو الحلف أو الولاء بعد أن يكون في حيزهم ومن أهل نصرتهم، وأما من كان من قوم آخرين فإنه لا يدخل في العهد ما لم يشرط، ومن شرط من أهل قبيلة أخرى دخوله في عهد المعاهدين فهو داخل فيهم إذا عقد العهد على ذلك كما دخلت بنو كنانة في عهد قريش.
وأما قول من قال: " إن ذلك منسوخ " فإنما أراد أن معاهدة المشركين وموادعتهم منسوخة بقوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) [براءة: 5] فهو كما قال: لأن الله أعز الاسلام وأهله، فأمروا أن لا يقبلوا من مشركي العرب إلا الاسلام أو السيف لقوله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) [التوبة: 5]، فهذا حكم ثابت في مشركي العرب، فنسخ به الهدنة والصلح وإقرارهم على الكفر وأمرنا في أهل الكتاب بقتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية بقوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) [التوبة: 29] إلى قوله: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) [التوبة: 29]، فغير جائز للإمام أن يقر أحدا من أهل سائر الأديان على الكفر من غير جزية. وأما مشركو العرب فقد كانوا أسلموا في زمن الصحابة ورجع من ارتد منهم إلى الاسلام بعد ما قتل من قتل منهم، فهذا وجه صحيح في نسخ معاهدة أهل الكفر على غير جزية والدخول في الذمة على أن تجري عليهم أحكامنا، فكان ذلك حكما ثابتا بعدما أعز الله الاسلام وأظهر أهله على سائر المشركين، فاستغنوا بذلك عن العهد والصلح. إلا أنه إن احتيج إلى ذلك في وقت لعجز المسلمين عن مقاومتهم أو خوف منهم على أنفسهم أو