حاله فلا يصح منه فعل الصلاة على سائر شرائطها، إلا أن اختصاصه القول بالذكر دون غيره من أمور الصلاة وأحوالها يدل على أن المراد به قول مفعول في الصلاة وأنه متى كان من السكر على حال لم يمكنه إقامة القراءة فيها لم يصح له فعلها لأجل عدم القراءة، وأن وجود القراءة فيها من فروضها وشرائطها، وهذا مثل قوله: (وأقيموا الصلاة) [البقرة: 43] في إفادته أن في الصلاة قياما مفروضا، ومثل قوله: (واركعوا مع الراكعين [البقرة: 43] في دلالته على فرض الركوع في الصلاة.
وأما قوله عز وجل: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) أهل العلم قد تنازعوا تأويله، فروى المنهال بن عمرو عن زر عن علي رضي الله عنه في قوله: (ولا جنبا إلا عابري سبيل): " إلا أن تكونوا مسافرين ولا تجدون ما تتيممون به وتصلون ".
وروى قتادة عن أبي مجلز عن ابن عباس مثله، وعن مجاهد مثله. وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: " هو الممر في المسجد ". وروى عطاء بن يسار عن ابن عباس مثله في تأويل الآية، وكذلك روي عن سعيد بن المسيب وعطاء وعمرو بن دينار في آخرين من التابعين.
واختلف السلف في مرور الجنب في المسجد، فروي عن جابر قال: " كان أحدنا يمر في المسجد مجتازا وهو جنب ". وقال عطاء بن يسار: " كان رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تصيبهم الجنابة فيتوضؤون ثم يأتون المسجد فيتحدثون فيه ". وقال سعيد بن المسيب: " الجنب لا يجلس في المسجد ويجتاز ". وكذلك روي عن الحسن. وما روي في ذلك عن عبد الله فإن الصحيح فيه ما تأوله شريك عن عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة: (ولا جنبا إلا عابري سبيل) قال: " الجنب يمر في المسجد ولا يجلس "، ورواه معمر عن عبد الكريم عن أبي عبيدة عن عبد الله، ويقال إن أحدا لم يرفعه إلى عبد الله غير معمر وسائر الناس وقفوه.
واختلف فقهاء الأمصار في ذلك، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد: " لا يدخله إلا طاهرا سواء أراد القعود فيه أو الاجتياز "، وهو قول مالك بن أنس والثوري. وقال الليث: " لا يمر فيه إلا أن يكون بابه إلى المسجد ". وقال الشافعي: " يمر فيه ولا يقعد ".
والدليل على أن الجنب لا يجوز له أن يجتاز في المسجد ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد قال: حدثنا أقلت بن خليفة قال: حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: " وجهوا هذه البيوت عن المسجد " ثم دخل ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن تنزل لهم رخصة، فخرج