أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٢٦٠
خاصا في ولاة الأمر على ما ذكرنا في نظائره في القرآن وغيره.
قال أبو بكر: ما اؤتمن عليه الانسان فهو أمانة، فعلى المؤتمن عليها ردها إلى صاحبها، فمن الأمانات الودائع وعلى مودعيها ردها إلى من أودعه إياها، ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أنه لا ضمان على المودع فيها إن هلكت. وقد روي عن بعض السلف فيه الضمان، ذكر الشعبي عن أنس قال: " استحملني رجل بضاعة فضاعت من بين ثيابي، فضمنني عمر بن الخطاب ". وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا حامد بن محمد قال:
حدثنا شريح قال: حدثنا ابن إدريس عن هشام بن حسان عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك قال: " استودعت ستة آلاف درهم، فذهبت، فقال لي عمر: ذهب لك معها شئ؟
قلت: لا، فضمنني ". وروى حجاج عن أبي الزبير عن جابر: أن رجلا استودع متاعا، فذهب من بين متاعه، فلم يضمنه أبو بكر رضي الله عنه، وقال: هي أمانة. وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا إسماعيل بن الفضل قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من استودع وديعة فلا ضمان عليه ". وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم قال: حدثنا محمد بن عون قال: حدثنا عبد الله بن نافع عن محمد بن نبيه الحجبي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ضمان على راع ولا على مؤتمن ".
قال أبو بكر: قوله صلى الله عليه وسلم: " لا ضمان على مؤتمن " يدل على نفي ضمان العارية، لأن العارية أمانة في يد المستعير، إذ كان المعير قد ائتمنه عليها، ولا خلاف بين الفقهاء في نفي ضمان الوديعة إذا لم يتعد فيها المودع. وما روي عن عمر في تضمين الوديعة فجائز أن يكون المودع اعترف بفعل يوجب الضمان عنده، فلذلك ضمنه.
واختلف الفقهاء في ضمان العارية بعد اختلاف من السلف فيه، فروي عن عمر وعلي وجابر وشريح وإبراهيم: " أن العارية غير مضمونة ". وروي عن ابن عباس وأبي هريرة: " أنها مضمونة ". وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد:
" هي غير مضمونة إذا هلكت "، وهو قول ابن شبرمة والثوري والأوزاعي. وقال عثمان البتي: " المستعير ضامن لما استعاره إلا الحيوان والعقل، فإن اشترط عليه في الحيوان والعقل الضمان فهو ضامن ". وقال مالك: " لا يضمن الحيوان في العارية ويضمن الحلي والثياب ونحوها ". وقال الليث: " لا ضمان في العارية ولكن أبا العباس أمير المؤمنين قد كتب إلي بأن أضمنها فالقضاء اليوم على الضمان ". وقال الشافعي: " كل عارية مضمونة ".
قال أبو بكر: والدليل على نفي ضمانها عند الهلاك إذا لم يتعد فيها أن المعير قد
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»