إن قوله تعالى: (ولا يكتمون الله حديثا) داخل في التمني بعدما نطقت جوارحهم بفضيحتهم. وقيل: إن معناه أنه لا يعتد بكتمانهم، لأنه ظاهر عند الله لا يخفى عليه منه شئ، فكان تقديره أنهم غير قادرين هناك على الكتمان لأن الله يظهره. وقيل: إنهم لم يقصدوا الكتمان، لأنهم إنما أخبروا على ما توهموا، ولا يخرجهم ذلك من أن يكونوا قد كتموا، والله تعالى أعلم.
باب الجنب يمر في المسجد قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا).
مطلب: في تفسير السكر المراد بهذه الآية قال أبو بكر: قد اختلف في المراد من السكر بهذه الآية، فقال ابن عباس ومجاهد وإبراهيم وقتادة: " السكر من الشراب ". وقال مجاهد والحسن: " نسخها تحريم الخمر ".
وقال الضحاك: " المراد به سكر النوم خاصة ". فإن قيل: كيف يجوز أن ينهى السكران في حال سكره وهو في معنى الصبي في نقص عقله؟ قيل له: يحتمل أن يريد السكران الذي لم يبلغ نقصان عقله إلى حد يزول التكليف معه، ويحتمل أن يكونوا نهوا عن التعرض للسكر إذا كان عليهم فرض الصلاة، ويجوز أن يكون النهي إنما دل على أن عليهم أن يعيدوها في حال الصحو إذا فعلوها في حال السكر، وجائز أن تكون هذه المعاني كلها مرادة بالآية في حال نزولها.
فإن قال قائل: إذا ساغ تأويل من تأولها على السكران الذي لم يزل عنه التكليف، فكيف يجوز أن يكون منهيا عن فعل الصلاة في هذه الحال مع اتفاق المسلمين على أنه مأمور بفعل الصلاة في هذه الحال؟ قيل له: قد روي عن الحسن وقتادة أنه منسوخ، ويحتمل إن لم يكن منسوخا أن يكون النهي متوجها إلى فعل الصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم أو في جماعة.
قال أبو بكر: والصحيح من التأويل في معنى السكر أنه السكر من الشراب من وجهين، أحدهما: أن النائم ومن خالط عينه النوم لا يسمى سكران، ومن سكر من الشراب يسمى سكران حقيقة، فوجب حمل اللفظ على الحقيقة ولا يجوز صرفه عنها إلى المجاز إلا بدلالة. والثاني: ما روى سفيان عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن علي قال: " دعا رجل من الأنصار قوما فشربوا من الخمر، فتقدم عبد الرحمن بن عوف