وصفته وحال نبوته، وكانوا يوعدون العرب بالقتل عند مبعثه، لأنهم زعموا أنهم لا يتبعونه، وكانوا يظنون أنه يكون من بني إسرائيل، فلما بعثه الله تعالى من ولد إسماعيل حسدوا العرب وأظهروا الكفر به وجحدوا ما عرفوه، قال الله تعالى: (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) [البقرة: 89]، وقال الله تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم) [البقرة: 109] فكانت عداوة اليهود للعرب ظاهرة بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم حسدا منهم لهم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم مبعوثا منهم، فالأظهر من معنى الآية حسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم وللعرب. والحسد هو تمني زوال النعمة عن صاحبها، ولذلك قيل: إن كل أحد تقدر أن ترضيه إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها، والغبطة غير مذمومة لأنها تمني مثل النعمة من غير زوالها عن صاحبها بل مع سرور منه ببقائها عليه.
قوله تعالى: (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) قيل فيه: إن الله تعالى يجدد لهم جلودا غير الجلود التي احترقت، والقائلون بهذا هم الذين يقولون إن الجلد ليس بعض الانسان، وكذلك اللحم والعظم، وإن الانسان هو الروح اللابس لهذا البدن.
ومن قال إن الجلد هو بعض الانسان وإن الانسان هو هذا الشخص بكماله، فإنه يقول إن الجلود تجدد بأن ترد إلى الحال التي كانت عليها غير محترقة، كما يقال لخاتم كثر ثم صيغ خاتم آخر: هذا الخاتم غير ذاك الخاتم، وكما يقال لمن قطع قميصه قباء: هذا اللباس غير ذاك اللباس. وقال بعضهم: التبديل إنما هو للسرابيل التي قد ألبسوها، وهو تأويل بعيد لأن السرابيل لا تسمى جلودا، والله تعالى أعلم.
باب ما أوجب الله تعالى من أداء الأمانات قال الله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) اختلف أهل التفسير في المأمورين بأداء الأمانة في هذه الآية من هم، فروي عن زيد بن أسلم ومكحول وشهر بن حوشب أنهم ولاة الأمر. وقال ابن جريج: " إنها نزلت في عثمان بن طلحة، أمر بأن ترد عليه مفاتيح الكعبة ". وقال ابن عباس وأبي بن كعب والحسن وقتادة: " هو في كل مؤتمن على شئ "، وهذا أولى لأن قوله تعالى: (إن الله يأمركم) خطاب يقتضي عمومه سائر المكلفين، فغير جائز الاقتصار به على بعض الناس دون بعض إلا بدلالة، وأظن من تأوله على ولاة الأمر ذهب إلى قوله تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) لما كان خطابا لولاة الأمر كان ابتداء الخطاب منصرفا إليهم، وليس ذلك كذلك، إذ لا يمتنع أن يكون أول الخطاب عموما في سائر الناس وما عطف عليه