أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٢٥٤
سقوط فرض الصلاة، وإنما نهي عن فعلها في هذه الحال، وهو مأمور مع ذلك بتقديم الطهارة لها، كذلك النهي عن الصلاة في حال السكر إنما دل على حظر شرب يوجب السكر قبل الصلاة، وفرض الصلاة قائم عليه. فهذا التأويل يدل على ما روي عن ابن عباس وأبي رزين، وظاهر الآية وفحواها يقتضي ذلك على الوجه الذي بينا. وهذا التأويل لا ينافي ما قدمنا ذكره عن السلف في حظر الصلاة عند السكر، لأنه جائز أن يكونوا نهوا عن شرب يقتضي كونه سكران عند حضور الصلاة، فيكون ذلك حظرا قائما، فإن اتفق أن يشرب حتى أنه كان سكران عند حضور الصلاة كان منهيا عن فعلها مأمورا بإعادتها في حال الصحو، أو يكون النهي مقصورا على فعلها مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في جماعة، وهذه المعاني كلها صحيحة جائزة يحتملها لفظ الآية.
وقوله تعالى: (حتى تعلموا ما تقولون) يدل على أن السكران الذي منع من الصلاة هو الذي قد بلغ به السكر إلى حال لا يدري ما يقول، وأن السكران الذي يدري ما يقول لم يتناوله النهي عن فعل الصلاة، وهذا يشهد للتأويل الذي ذكرنا من أن النهي إنما انصرف إلى الشرب لا إلى فعل الصلاة، لأن السكران الذي لا يدري ما يقول لا يجوز تكليفه في هذه الحال كالمجنون والنائم والصبي الذي لا يعقل، والذي يعقل ما يقول لم يتوجه إليه النهي لأن في الآية إباحة فعل الصلاة إذا علم ما يقول، وهذا يدل على أن الآية إنما حظرت عليه الشرب لا فعل الصلاة في حال السكر الذي لا يعلم ما يقول فيه، إذ غير جائز تكليف السكران الذي لا يعقل. وهي تدل أيضا على أن السكر الذي يتعلق به الحكم هو الذي لا يعقل صاحبه ما يقول، وهذا يدل على صحة قول أبي حنيفة في السكر الموجب للحد " أنه هو الذي لا يعرف فيه الرجل من المرأة " ومن لا يعقل ما يقول لا يعرف الرجل من المرأة.
وقوله تعالى: (حتى تعلموا ما تقولون) يدل على فرض القراءة في الصلاة، لأنه منعه من الصلاة لأجل عدم إقامة القراءة فيها، فلولا أنها من أركانها وفروضها لما منع من الصلاة لأجلها.
فإن قيل: لا دلالة في ذلك على وجوب القراءة فيها، وذلك لأن قوله تعالى:
(حتى تعلموا ما تقولون) قد دل على أنه ممنوع منها في الحال التي لا يعلم ما يقول، ولم يذكر القراءة وإنما ذكر نفي العلم بما يقول، وهذا على سائر الأقوال والكلام، ومن صار بهذه الحال من السكر لم يصح له إحضار نية الصلاة ولا فعل سائر أركانها، فإنما منع من الصلاة من كانت هذه حاله لأنه لا تصح منه نية الصلاة ولا سائر أفعالها، ومع ذلك فلا يعلم أنه طاهر غير محدث. قيل له: هذا على ما ذكرت في أن من كانت هذه
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»