أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٢٥٣
لصلاة المغرب فقرأ: (قل أيها الكافرون) [الكافرون: 1]، فالتبس عليه فأنزل الله تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) ". وحدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال:
حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان المؤدب قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس، في قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس) [البقرة: 219]، وقال في سورة النساء: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) ثم نسختها هذه الآية:
(يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام) [المائدة: 90] الآية. قال أبو عبيد: وحدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) [البقرة: 219] قال: وقوله تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) قال: " كانوا لا يشربونها عند الصلاة فإذا صلوا العشاء شربوها ". قال أبو عبيد: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة قال: قال عمر: اللهم بين لنا في الخمر!
فنزلت: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون)، وذكر الحديث. قال أبو عبيد: وحدثنا هشيم قال: أخبرنا مغيرة عن أبي رزين قال: " شربت الخمر بعد الآية التي في سورة البقرة والتي في سورة النساء، وكانوا يشربونها حتى تحضر الصلاة فإذا حضرت الصلاة تركوها، ثم حرمت في المائدة ".
قال أبو بكر: فأخبر هؤلاء أن المراد السكر من الشراب، وأخبر ابن عباس وأبو رزين أنهم تركوا شربها بعد نزول الآية عند الصلاة وشربوها في غير أوقات الصلوات، ففي هذا دلالة على أنهم عقلوا من قوله تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) النهي عن شربها في الحال التي يكونون فيها سكارى عند لزوم فرض الصلاة، وهذا يدل على أن قوله تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) إنما أفاد النهي عن شربها في أوقات الصلوات، وكان معناه: لا يكن منكم شرب تصيرون به إلى حال السكر عند أوقات الصلوات فتصلوا وأنتم سكارى، وذلك أنهم لما كانوا متعبدين بفعل الصلوات في أوقاتها منهيين عن تركها، قال تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)، وقد علمنا أنه لم ينسخ بذلك فرض الصلاة، كان في مضمون هذا اللفظ النهي عما يوجب السكر عند أوقات الصلوات، كما أنه لما نهينا عن فعل الصلاة مع الحدث لقوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) [المائدة: 6]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله صلاة بغير طهور "، وكما قال تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا)، كان ذلك نهيا عن ترك الطهارة ولم يكن نهيا عن فعل الصلاة. ولم يوجب كون الانسان جنبا أو محدثا
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»