أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٢٠٥
الكتاب من قبلكم) [المائدة: 5] قال: " إحصانها أن تغتسل من الجنابة وتحصن فرجها من الزنا ". فثبت بذلك أن اسم الإحصان قد يتناول الكتابية، قال تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) فاستثنى ملك اليمين من المحصنات، فدل على أن الاسم يقع عليهن لولا ذلك لما استثناهن، وقال تعالى: (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة) فأطلق اسم الإحصان في هذا الموضع على الإماء. ولما ثبت أن اسم المحصنات يقع على الكتابيات من الحرائر والإماء وأطلق الله نكاح الكتابيات المحصنات بقوله:
(والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) [المائدة: 5] كان عاما في الحرائر والإماء منهن.
فإن احتجوا بقوله: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) [البقرة: 221] وكانت هذه مشركة، وقال في آية أخرى: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات)، فكانت إباحة نكاح الإماء مقصورة على المسلمات منهن دون الكتابيات، وجب أن يكون نكاح الإماء الكتابيات باقيا على حكم الحضر. قيل له: إطلاق اسم المشركات لا يتناول الكتابيات وإنما يقع على عبدة الأوثان دون غيرهم، لأن الله تعالى قد فرق بينهما في قوله: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين) [البينة: 1] فعطف المشركين على أهل الكتاب، وهذا يدل على أن إطلاق الاسم إنما يتناول عبدة الأوثان دون غيرهم فلم يعم الكتابيات، فغير جائز الاعتراض به في حظر نكاح الإماء الكتابيات. وأيضا فلا خلاف بين فقهاء الأمصار أن قوله: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) [المائدة:
5] قاض على قوله: (ولا تنكحوا المشركات) [البقرة: 221]، وذلك لأنهم لا يختلفون في جواز نكاح الحرائر الكتابيات، فليس يخلو حينئذ قوله: (ولا تنكحوا المشركات) [البقرة: 221] من أن يكون عاما في إطلاقه للكتابيات والوثنيات أو أن يكون إطلاقه مقصورا على الوثنيات دون الكتابيات، فإن كان الإطلاق إنما يتناول الوثنيات دون الكتابيات فالسؤال عنا ساقط فيه، إذ ليس بناف فيه لنكاح الكتابيات، وإن كان الإطلاق ينتظم الصنفين جميعا لو حملناه على ظاهره فقد اتفقوا أنه مرتب على قوله:
(والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) [المائدة: 5] لاتفاق الجميع على استعماله معه في الحرائر منهن. وإذا كان كذلك لم يخل من أن تكون الآيتان نزلتا معا، أو أن تكون إباحة نكاح الكتابيات متأخرة عن حظر نكاح المشركات، أو أن يكون حظر نكاح المشركات متأخرا عن إباحة نكاح الكتابيات. فإن كانتا نزلتا معا فهما مستعملتان جميعا على جهة ترتيب حظر نكاح المشركات على إباحة نكاح الكتابيات، أو أن يكون
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»