أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٢١٠
وجهين: إما أن يكون المراد إعطاءهن المهر بشرط إذن المولى فيه، فيكون الإذن المذكور بديا مضمرا في إعطائها المهر كما كان مشروطا في التزويج، فيكون تقديره:
فأنكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بإذنهم، فيدل ذلك على أنه غير جائز إعطاؤهن المهر إلا بإذن المولى، وهو كقوله تعالى: (والحافظين فروجهم والحافظات) [الأحزاب: 35] والمعنى: والحافظات فروجهن، وقوله تعالى: (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) [الأحزاب: 35] ومعناه: والذاكرات الله، وتكون دلالة هذا الضمير ما في الآية من نفي ملكها لتزويجها نفسها وأن المولى أملك بذلك منها، وقوله تعالى: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) [النحل: 75] فنفي ملكه نفيا عاما، وفيه الدلالة على أن الأمة لا تستحق مهرها ولا تملكه. والوجه الآخر أن يكون أضاف الإعطاء إليهن والمراد المولى، كما لو تزوج صبية صغيرة أو أمة صغيرة بإذن الأب والمولى جاز أن يقال أعطهما مهريهما، ويكون المراد إعطاء الأب أو المولى، ألا ترى أنه يصح أن يقال لمن عليه دين ليتيم قد مطله به إنه مانع لليتيم حقه وإن كان اليتيم لا يستحق قبضه ويقال أعط اليتيم حقه؟ وقال تعالى: (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل) [الاسراء: 26] وقد انتظم ذلك الصغار والكبار من أهل هذه الأصناف، وإعطاء الصغار إنما يكون بإعطاء أوليائهم فكذلك جائز أن يكون المراد بقوله: (وآتوهن) إيتاء من يستحق ذلك من مواليهن.
وزعم بعض أصحاب مالك أن الأمة هي المستحقة لقبض مهرها وأن المولى إذا آجرها للخدمة كان هو المستحق للأجر دونها، واحتج للمهر بقوله تعالى: (وآتوهن أجورهن) وقد بينا وجه ذلك ومعناه، وعلى أنه إن كان المهر يجب لها لأنه بدل بضعها فكذلك يجب أن تكون الأجرة لها لأنه بدل منافعها. ومن حيث كان المولى هو المالك لمنافعها كما كان مالكا لبضعها، فمن استحق الأجرة دونها فواجب أن يستحق قبض المهر دونها، لأنه بدل ملك المولى لا ملكها لأنها لا تملك منافع بضعها ولا منافع بدنها، والمولى هو العاقد في الحالين وبه تمت الإجارة والنكاح، فلا فرق بينهما. وحكى هذا القائل أن بعض العراقيين أجاز أن يزوج المولى أمته عبده بغير صداق، وهذا خلاف الكتاب زعم. قال أبو بكر: ما أشد إقدام مخالفينا على الدعاوى على الكتاب والسنة!
ومن راعى كلامه وتفقد ألفاظه قلت دعاويه بما لا سبيل له إلى إثباته، فإن كان هذا القائل إنما أراد أنهم أجازوا أن يزوج أمته عبده بغير تسمية مهر، فإن كتاب الله تعالى قد حكم بجواز ذلك في قوله تعالى: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) [البقرة: 236] فحكم بصحة الطلاق في نكاح لا مهر فيه مسمى. فدعواه
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»