أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٢٠٧
الاسم من وجه وجب اعتبار عمومه فيه، فلما كانت الأمة قد يتناولها اسم الإحصان على الإطلاق في بعض الوجوه من طريق العفة أو غيرها جاز اعتبار عموم اللفظ فيه، وإذا جاز لك أن تقتصر باسم الإحصان على الحرية دون غيرها فجائز لغيرك أن يقتصر به على العفاف دون غيره، وغير جائز لنا إجمال حكم اللفظ مع إمكان استعماله على العموم، وقد أطلق الله اسم الإحصان على الأمة فقال تعالى: (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) فقال بعضهم: أراد: فإذا أسلمن، وقال بعضهم: فإذا تزوجن، فكان اعتبار هذا العموم سائغا في إيجاب الحد عليهن. وقد قال في الآية: (والمحصنات من المؤمنات) [المائدة: 5] ولم يرد به حصول جميع شرائط الإحصان وإنما أراد به العفائف منهن، وحرم ذوات الأزواج بقوله: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) فكان عموما في تحريم ذوات الأزواج إلا ما استثناهن، فكذلك قوله: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) [المائدة: 5] لا يمنع ذكر الإحصان فيه من اعتبار عمومه فيمن يقع عليه الاسم من جهة العفاف على ما روي عن السلف. ومن جهة النظر أنه لا خلاف بين الفقهاء في إباحة وطء الأمة الكتابية بملك اليمين، وكل من جاز وطؤها بملك اليمين جاز وطؤها بملك النكاح على الوجه الذي يجوز عليه نكاح الحرة المنفردة، ألا ترى أن المسلمة لما جاز وطؤها بملك اليمين جاز وطؤها بالنكاح، وأن الأخت من الرضاعة وأم المرأة وحليلة الابن وما نكح الآباء لما لم يجز وطؤهن بملك اليمين حرم وطؤهن بالنكاح؟ فلما اتفق الجميع على جواز وطء الأمة الكتابية بملك اليمين وجب جواز وطئها بالنكاح على الوجه الذي يجوز فيه وطء الحرة المنفردة.
فإن قيل: قد يجوز وطء الأمة الكتابية بملك اليمين ولا يجوز بالنكاح كما إذا كانت تحته حرة. قيل له: لم نجعل ما ذكرنا علة لجواز نكاحها في سائر الأحوال، وإنما جعلناه علة لجواز نكاحها منفردة غير مجموعة إلى غيرها، ألا ترى أن الأمة المسلمة يجوز وطؤها بملك اليمين ويجوز نكاحها منفردة، ولو كانت تحته حرة لما جاز نكاحها لأنه لم يجز نكاحها من طريق جمعها إلى الحرة كما لا يجوز نكاحها لو كانت أختها تحته وهي أمة؟ فعلتنا صحيحة مستمرة جارية في معلولاتها غير لازم عليها ما ذكرت، إذ كانت منصوبة لجواز نكاحها منفردة غير مجموعة إلى غيرها، وبالله التوفيق.
باب نكاح الأمة بغير إذن مولاها قال الله تعالى: (فانكحوهن بإذن أهلهن). قال أبو بكر: قد اقتضى ذلك بطلان نكاح الأمة إلا أن يأذن سيدها، وذلك لأن قوله تعالى: (فانكحوهن بإذن أهلهن) يدل
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»