على حظر ما عدا المذكور، وقد بينا أن ذلك ليس بدليل واستقصينا القول فيه في أصول الفقه.
ومما يدل على صحة قولنا إن خوف العنت وعدم الطول ليسا بضرورة، لأن الضرورة ما يخاف فيها تلف النفس، وليس في فقد الجماع تلف النفس، وقد أبيح له نكاح الأمة، فإذا جاز نكاح الأمة في غير ضرورة فلا فرق بين وجود الطول وعدمه إذ عدم الطول ليس بضرورة في التزوج إذ لا تقع لأحد ضرورة إلى التزوج إلا أن يكره عليه بما يوجب تلف النفس أو بعض الأعضاء. ويدل على أن الإباحة المذكورة في الآية غير معقودة بضرورة قوله في نسق الخطاب: (وأن تصبروا خير لكم) وما اضطر إليه الانسان من ميتة أو لحم خنزير أو نحوه لا يكون الصبر عليه خيرا له، لأنه لو صبر عليه حتى مات كان عاصيا. وأيضا فليس النكاح بفرض حتى تعتبر فيه الضرورة، وأصله تأديب وندب، وإذا كان كذلك وقد جاز في غير الضرورة وجب أن يجوز في حال وجود الطول كما جاز في حال عدمه.
وقوله تعالى: (بعضكم من بعض) في نسق التلاوة قيل فيه: إن كلكم من آدم، وقيل فيه: كلكم مؤمنون. يدل على أنه أراد المساواة بينهم في النكاح، وهذا يدل على وجوب التسوية بين الحرة والأمة إلا فيما تقوم فيه دلالة التفضيل. وأما من قال: " إن نكاح الحرة طلاق للأمة " فقوله واه ضعيف لا مساغ له في النظر، لأنه لو كان كما ذكر لوجب أن يكون الطول إلى الحرة فاسخا لنكاح الأمة كما قال الشعبي، كالمتيمم إذا وجد الماء ينتقض تيممه توضأ أو لم يتوضأ.
مطلب: في تأويل أبي يوسف قوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا) وقد روي عن أبي يوسف أنه تأول قوله تعالى: (ومن لم يستطع منكم طولا) على عدم الحرة في ملكه وأن وجود الطول هو كون الحرة تحته. وهذا تأويل سائغ، لأن من ليس عنده حرة فهو غير مستطيع للطول إليها، إذ لا يصل إليها ولا يقدر على وطئها، فكان وجود الطول عنده هو ملك وطء الحرة. وهو أولى بمعنى الآية من تأويل من تأوله على القدرة على تزوجها، لأن القدرة على المال لا توجب له ملك الوطء إلا بعد النكاح، فوجود الطول بحال ملك الوطء أخص منه بوجود المال الذي به يتوصل إلى النكاح.
ويدل عليه أنا وجدنا لملك وطء الزوجة تأثيرا في منع نكاح أخرى، ولم نجد هذه المزية لوجود المال، فإذا لا حظ لوجود المال في منع نكاح الأمة، فتأويل أبي يوسف الآية على ملك وطء الحرة أصح من تأويل من تأولها على ملك المال.