فإن قيل: وجود ثمن رقبة الظهار كوجود الرقبة في ملكه، فهلا كان وجود مهر الحرة كوجود نكاحها! قيل له: هذا خطأ منتقض من وجوه، أحدها: أنك لم تعقده بمعنى يوجب الجمع بينهما وبدلالة يدل بها على صحة المعنى، وما خلا من ذلك من دعوى الخصم فهو ساقط غير مقبول. والثاني: أن ذلك يوجب أن يكون وجود مهر امرأة في ملكه كوجود نكاحها في منع تزويج أمها أو أختها، فلما لم يكن ذلك كذلك بأن به فساد ما ذكرت، وعلى أن الرقبة ليست عروضا للنكاح لأن الرقبة فرض عليه عتقها، وغير جائز له الانصراف عنها مع وجودها، وجائز للرجل أن لا يتزوج مع الإمكان، فلما كان كذلك كان وجود ثمن الرقبة في ملكه كوجودها إذ كانت فرضا هو مأمور بعتقها على حسب الإمكان، وليس النكاح بفرض فيلزمه التوصل إليه لوجود المهر، فليس إذا لوجود المهر في ملكه تأثير في منع نكح الأمة وكان واجده بمنزلة من لم يجد. وإنما قال أصحابنا إنه لا يتزوج الأمة على الحرة لما روى الحسن ومجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" لا تنكح الأمة على الحرة "، ولولا ما ورد من الأثر لم يكن تزويج الأمة على الحرة محظورا، إذ ليس في القرآن ما يوجب حظره والقياس يوجب إباحته، ولكنهم اتبعوا الأثر في ذلك والله تعالى أعلم.
باب نكاح الأمة الكتابية قال أبو بكر: اختلف أهل العلم فيه، فروي عن الحسن ومجاهد وسعيد بن عبد العزيز وأبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم كراهة ذلك، وهو قول الثوري. وقال أبو ميسرة في آخرين: " يجوز نكاحها "، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر.
وروي عن أبي يوسف أنه كرهه إذا كان مولاها كافرا والنكاح جائز، ويشبه أن يكون ذهب إلى أن ولدها يكون عبدا لمولاها وهو مسلم بإسلام الأب، كما يكره بيع العبد المسلم من الكافر. وقال مالك والأوزاعي والشافعي والليث بن سعد: " لا يجوز النكاح ".
والدليل على جوازه جميع ما ذكرنا من عموم الآي في الباب الذي قبله الموجبة لجواز نكاح الأمة مع وجود الطول إلى الحرة، ودلالتها على جواز نكاح الأمة الكتابية كهي على إباحة نكاح المسلمة. ومما يختص منها بالدلالة على هذه المسألة قوله عز وجل:
(والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) [المائدة: 5]. وروى جرير عن ليث عن مجاهد في قوله: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) [المائدة: 5] قال: " العفائف ". وروى هشيم عن مطرف عن الشعبي: (والمحصنات من الذين أوتوا