فقال: " أتزوجك عشرة أيام " فجعله زفر نكاحا صحيحا وأبطل الشرط فيه، لأن النكاح لا تفسده الشروط الفاسدة، كما لو قال: " أتزوجك على أن أطلقك بعد عشرة أيام " كان النكاح جائزا والشرط باطلا، وإنما الخلاف بينهم وبين زفر في أن هذا نكاح أو متعة؟
فقال الجمهور: هذا متعة وليس بنكاح. والدليل على صحة هذا القول إن النكاح إلى أجل هو متعة وإن لم يلفظ بالمتعة ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا إسحاق بن الحسن بن ميمون قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة الجهني أن أباه أخبره: أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حتى نزلوا عسفان، وذكر قصة أمر النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بالإحلال بالطواف إلا من كان معه هدي، قال: فلما أحللنا قال: " استمتعوا من هذه النساء " والاستمتاع التزويج عندنا، فعرضنا ذلك على النساء فأبين إلا أن نضرب بيننا وبينهن أجلا، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " افعلوا ". فخرجت أنا وابن عمي - وأنا أشب منه - ومعي برد ومعه برد، فأتينا امرأة فأعجبها برده وأعجبها شبابي، فقالت: برد كبرد وهذا أشب، وكان بيني وبينها عشر فبت عندها ليلة ثم أصبحت فخرجت إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الركن والمقام يقول: " يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء، ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن بقي عنده منهن شئ فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ". فأخبر سبرة في هذا الحديث أن الاستمتاع كان التزويج، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان رخص لهم في توقيت المدة فيه ثم نهى عنه بعد الإباحة، فثبت بذلك أن النكاح إلى أجل هو متعة. ويدل على ذلك أيضا حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عبد الله بن مسعود قال: " كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا نساء، فقلنا: يا رسول الله ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ورخص لنا أن ننكح بالثوب إلى أجل، ثم قرأ: (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) [المائدة: 87]. فأخبر عبد الله بن مسعود أن المتعة كانت نكاحا إلى أجل. ويدل على ذلك حديث جابر عن عمر بن الخطاب، وقد تقدم سنده في باب المتعة، أنه قال: " إن الله كان يحل لرسوله ما شاء فأتموا الحج والعمرة كما أمر الله واتقوا نكاح هذه النساء، لا أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته ". فأخبر عمر أن النكاح إلى أجل هو متعة، وإذا ثبت له هذا الاسم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المتعة انتظم ذلك تحريم النكاح إلى أجل لدخوله تحت الاسم. وأيضا لما كانت المتعة اسما للنفع القليل كما قال تعالى: (إنما هذه الحياة الدنيا متاع) [غافر:
39] يعني نفعا قليلا، وسمى الواجب بعد الطلاق متعة بقوله: (فمتعوهن) [الأحزاب:
49]، وقال: (وللمطلقات متاع بالمعروف) [البقرة: 241] لأنه أقل من المهر، علمنا أن ما أطلق عليه اسم المتعة أو المتاع فقد أريد به التقليل وأنه نزر يسير بالإضافة إلى ما