أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٩٢
واقعا على استباحة منافع البضع، فإن استحقاق تلك المنافع بعقد النكاح بمنزلة العقود على المملوكات من الأعيان وأنه مخالف لعقود الإجارات الواقعة على منافع الأعيان، ألا ترى أن عقد النكاح يصح مطلقا من غير شرط مدة مذكورة له وأن عقود الإجارات لا تصح إلا على مدد معلومة أو على عمل معلوم؟ فلما كان ذلك حكم العقد على منافع البضع أشبه عقود البياعات وما جرى مجراها إذا عقدت على الأعيان، فلا يصح وقوعه موقتا كما لا يصح وقوع التمليكات في الأعيان المملوكة موقتة، ومتى شرط فيه التوقيت لم يكن نكاحا فلا تصح استباحة البضع به كما لا يصح البيع إذا شرط فيه توقيت الملك، وكذلك الهبات والصدقات، ولا يملكه بشئ من هذه العقود ملكا موقتا، وكذلك منافع البضع لما جرت مجرى الأعيان المملوكة لم يصح فيها التوقيت.
ومما يحتج به القائلون بإباحة المتعة اتفاق الجميع على أنها قد كانت مباحة في وقت من الزمان ثم اختلفنا في الحضر، فنحن ثابتون على ما حصل الاتفاق عليه ولا نزول عنه بالاختلاف. فيقال لهم: الأخبار التي بها تثبت الإباحة بها يثبت الحضر، وذلك لأن كل خبر ذكر فيه إباحة المتعة ذكر فيه حظرها، فمن حيث يثبت الإباحة وجب أن يثبت الحضر وإن لم يثبت الحضر لم تثبت الإباحة، إذا كانت الجهة التي بها تثبت الإباحة بها ورد الحضر. وأيضا فإن قول القائل: " إنا لما اتفقنا على كذا ثم اختلفنا فيه لم نزل عن الاجماع بالاختلاف " قول فاسد، لأن الموضع الذي فيه الخلاف ليس هو موضع الاجماع، فإذا لم يكن إجماعا فلا بد من دلالة يقيمها على صحة دعواه. وأيضا فإن كون الشئ مباحا في وقت غير موجب بقاء إباحته فيما يجوز فيه النسخ، وقد دللنا على ثبوت الحضر بعد الإباحة من ظاهر الكتاب والسنة وإجماع السلف.
قال أبو بكر: قد ذكرنا في المتعة وحكمها في التحريم ما فيه بلاغ لمن نصح نفسه، ولا خلاف فيها بين الصدر الأول على ما بينا، وقد اتفق فقهاء الأمصار مع ذلك على تحريمها ولا يختلفون فيه.
واختلف الفقهاء فيمن تزوج امرأة أياما معلومة، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ومالك بن أنس والثوري والأوزاعي والشافعي: " إذا تزوج امرأة عشرة أيام فهو باطل ولا نكاح بينهما ". وقال زفر: " النكاح جائز والشرط باطل ". وقال الأوزاعي " إذا تزوج امرأة ومن نيته أن يطلقها وليس ثم شرط فلا خير في هذا، هذا متعة ".
قال أبو بكر: لا خلاف بينهم وبين زفر أن عقد النكاح لا يصح بلفظ المتعة، وأنه لو قال: " أتمتع بك عشرة أيام " أن ذلك ليس بنكاح، وإنما الخلاف إذا عقده بلفظ النكاح
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»