أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٨٨
نكاح ولم نجدهم أطلقوا اسم النكاح على المتعة فلا يقولون إن فلانا تزوج فلانة إذا شرط التمتع بها، لم يجز لنا إطلاق اسم النكاح على المتعة، إذ المجاز لا يجوز إطلاقه إلا أن يكون مسموعا من العرب أو يرد به الشرع، فلما عدمنا إطلاق اسم النكاح على المتعة في الشرع واللغة جميعا وجب أن تكون المتعة ما عدا ما أباحه الله وأن يكون فاعلها عاديا ظالما لنفسه مرتكبا لما حرمه الله. وأيضا فإن النكاح له شرائط قد اختص بها متى فقدت لم يكن نكاحا، منها أن مضي الوقت لا يؤثر في عقد النكاح ولا يوجب رفعه، والمتعة عند القائلين بها توجب رفع النكاح بمضي المدة. ومنها أن النكاح فراش يثبت به النسب من غير دعوة، بل لا ينتفي الولد المولود على فراش النكاح إلا باللعان، والقائلون بالمتعة لا يثبتون النسب منه، فعلمنا أنها ليست بنكاح ولا فراش. ومنها أن الدخول بها على النكاح يوجب العدة عند الفرقة، والموت يوجب العدة دخل بها أو لم يدخل، قال الله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) [البقرة: 234] والمتعة لا توجب عدة الوفاة، وقال تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) [النساء: 12] ولا توارث عندهم في المتعة. فهذه هي أحكام النكاح التي يختص بها، إلا أن يكون هناك رق أو كفر يمنع التوارث، فلما لم يكن في المتعة مانع من الميراث من أحدهما بكفر أو رق ولا سبب يوجب الفرقة ولا مانع من ثبوت النسب مع كون الرجل ممن يستفرش ويلحقه الأنساب لفراشه، ثبت بذلك أنها ليست بنكاح، فإذا خرجت عن أن تكون نكاحا أو ملك يمين كانت محرمة بتحريم الله إياها في قوله: (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) [المؤمنون: 7].
فإن قيل: انقضاء المدة الموجبة للبينونة هو الطلاق. قيل له: إن الطلاق لا يقع إلا بصريح لفظ أو كناية. ولم يكن منه واحد منهما، فكيف يكون طلاقا! ومع ذلك فيجب على أصل هذا القائل أن لا تبين لو انقضت المدة وهي حائض، لأن القائلين بإباحة المتعة لا يرون طلاق الحائض جائزا، فلو كانت البينونة الواقعة بمضي المدة طلاقا لوجب أن لا يقع في حال الحيض، فلما أوقعوا البينونة الواقعة بمضي الوقت وهي حائض دل ذلك على أنه ليس بطلاق وإن كانت تبين بغير طلاق، ولا سبب من قبل الزوج يوجب الفرقة، ثبت أنها ليست بنكاح.
فإن قيل على ما ذكرنا من نفي النسب والعدة والميراث: ليس انتفاء هذه الأحكام بمانع من أن تكون نكاحا، لأن الصغير لا يلحق به نسب ويكون نكاحه صحيحا، والعبد لا يرث والمسلم لا يرث الكافر، ولم يخرجه انتفاء هذه الأحكام عنه من أن يكون نكاحا قيل له: إن نكاح الصغير قد تعلق به ثبوت النسب إذا صار في ممن يستفرش ويتمتع،
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»