أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٨٥
المتعة. ويروى أن في قراءة أبي بن كعب: " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن " وروي عنه أنه لما قيل له أنه قد قيل فيها الأشعار قال: " هي كالمضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير "، فأباحها في هذا القول عند الضرورة. وروي عن جابر بن زيد أن ابن عباس نزل عن قوله في الصرف وقوله في المتعة. وحدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال: حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن بكير عن الليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عمار مولى الشريد قال: سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح؟ فقال ابن عباس: لا سفاح ولا نكاح، قلت: فما هي؟ قال: المتعة كما قال الله تعالى، قلت له: هل لها من عدة؟ قال: نعم، عدتها حيضة، قلت: هل يتوارثان؟ قال: لا. وحدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخرساني عن ابن عباس في قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن) قال: نسختها (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) [الطلاق: 1]، وهذا يدل على رجوعه عن القول بالمتعة. وقد روي عن جماعة من السلف أنها زنا، حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال:
حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل ويونس عن ابن شهاب عن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل عن ابن عمر، أنه سئل عن المتعة فقال: " ذلك السفاح ". وروي عن هشام بن عروة عن أبيه قال: " كان نكاح المتعة بمنزلة الزنا ".
فإن قيل لا يجوز أن تكون المتعة زنا، لأنه لم يختلف أهل النقل أن المتعة قد كانت مباحة في بعض الأوقات أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبح الله تعالى الزنا قط. قيل له: لم تكن زنا في وقت الإباحة، فلما حرمها الله تعالى جاز إطلاق اسم الزنا عليها، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الزانية هي التي تنكح نفسها بغير بينة، وأيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر "، وإنما معناه التحريم لا حقيقة الزنا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " العينان تزنيان والرجلان تزنيان، فزنا العين النظر وزنا الرجلين المشي، ويصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه "، فأطلق اسم الزنا في هذه الوجوه على وجه المجاز، إذ كان محرما، فكذلك من أطلق اسم الزنا على المتعة فإنما أطلقه على وجه المجاز وتأكيد التحريم. وحدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج عن شعبة عن قتادة قال: سمعت أبا نضرة يقول: كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال: " على يدي دار الحديث، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، فأتموا الحج والعمرة كما أمر الله وانتهوا عن نكاح هذه النساء، لا أوتي برجل
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»