قاله توقيفا، وهو نظير ما روي عن أنس في أقل الحيض أنه ثلاثة أيام وأكثره عشرة، وعن عثمان بن أبي العاص الثقفي في أكثر النفاس أنه أربعون يوما، أن ذلك توقيف، إذ لا يقال في مثله من طريق الرأي، وكذلك ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه إذا قعد في آخر صلاته مقدار التشهد فقد تمت صلاته، فدل تقديره للفرض بمقدار التشهد أنه قاله من طريق التوقيف.
وقد احتج بعض أصحابنا لاعتبار العشرة أن البضع عضو لا تجوز استباحته إلا بمال فأشبه القطع في السرقة، فلما كانت اليد عضوا لا تجوز استباحته إلا بمال وكان المقدار الذي يستباح به عشرة على أصلهم، فكذلك المهر يعتبر به. وأيضا لما اتفق الجميع على أنه لا يجوز استباحة البضع بغير بدل واختلفوا فيما تجوز استباحته به من المقدار، وجب أن يكون باقيا على الحضر في منع استباحته إلا بما قام دليل جوازه، وهو العشرة المتفق عليها وما دونها مختلف فيه، فالبضع باق على حكم الحضر. وأيضا لما لم تجز استباحته إلا ببدل كان الواجب أن يكون البدل الذي به يصح قيمة البضع هو مهر المثل وأن لا يحط عنه شئ إلا بدلالة، ألا ترى أنه لو تزوجها على غير مهر لكان الواجب لها مهر مثلها؟ وفي ذلك دليل على أن عقد النكاح يوجب مهر المثل، فغير جائز اسقاط شئ من موجبه إلا بدلالة، وقد قامت دلالة الاجماع على جواز اسقاط ما زاد على العشرة واختلفوا فيما دونه، فوجب أن يكون واجبا بإيجاب العقد له إذ لم تقم الدلالة على إسقاطه.
فإن قيل: لما قال الله تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) [البقرة: 237] اقتضى ذلك إيجاب نصف الفرض قليلا كان أو كثيرا. قيل له: لما ثبت بما ذكرنا أن المهر لا يكون أقل من عشرة دراهم كانت تسميته لبعض العشرة تسمية لها، كسائر الأشياء التي لا تتبعض تكون تسميته لبعضها تسمية لجميعها، كالطلاق والنكاح ونحوهما، وإذا كانت العشرة لا تتبعض في العقد صارت تسميته لبعضها تسمية لجميعها، فإذا طلقها قبل الدخول وجب لها نصف العشرة لأن العشرة هي الفرض، ألا ترى أنه لو طلق امرأته نصف تطليقه كان مطلقا لها تطليقة كاملة، ولو طلق نصفها كان مطلقا لجميعها؟ وكذلك لو عفا عن نصف دم عمد كان عافيا عن جميعه؟ فلما كان ذلك كذلك وجب أن تكون تسميته لخمسة تسمية للعشرة، لقيام الدلالة على أن العشرة لا تتبعض في عقد النكاح، فمتى أوجبنا بعد الطلاق خمسة كان ذلك نصف الفرض. وأيضا فإنا نوجب نصف المفروض فلسنا مخالفين لحكم الآية، ونوجب الزيادة إلى تمام الخمسة بدلالة أخرى، وإنما كان يكون مذهبنا خلاف الآية لو