أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٩٠
على أبي أنه حدث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حجة الوداع ". وروى عبد العزيز بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده: أن ذلك كان عام الفتح، ورواه إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة عن أبيه مثله، وذكر أنه كان عام الفتح، ورواه أنس بن عياض الليثي عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة عن أبيه مثله، وقال: " كان في حجة الوداع ". فلم تختلف الرواة في التحريم، واختلفوا في التاريخ، فسقط التاريخ كأنه ورد غير مؤرخ، وثبت التحريم لاتفاق الرواة عليه. ورواه أبو حنيفة عن الزهري عن محمد بن عبد الله عن سبرة الجهني: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم فتح مكة ". وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا ابن ناحية قال: حدثنا محمد بن مسلم الرازي قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال: حدثنا صدقة عن عبيد الله بن علي عن إسماعيل بن أمية عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: خرج النساء اللاتي استمتعنا بهن معنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هن حرام إلى يوم القيامة ".
فإن قيل: هذه الأخبار متضادة لأن في حديث سبرة الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحها لهم في حجة الوداع، وقال بعضهم: عام الفتح، وفي حديث علي وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر، وخيبر كانت قبل الفتح وقبل حجة الوداع، فكيف تكون مباحة عام الفتح أو في حجة الوداع وقد حرمت قبل ذلك عام خيبر؟ قيل له: الجواب عن هذا من وجهين، أحدهما: أن حديث سبرة مختلف في تاريخه، فقال بعضهم: عام الفتح، وقال بعضهم: في حجة الوداع، وفي كلا الحديثين أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحها في تلك السفرة ثم حرمها، فلما اختلفت الرواة في تاريخه سقط التاريخ وحصل الخبر غير مؤرخ، فلا يضاد حديث علي وابن عمر الذي اتفقا على تاريخه أنه حرمها يوم خيبر. والوجه الآخر أنه جائز أن يكون حرمها يوم خيبر ثم أحلها في حجة الوداع أو في فتح مكة ثم حرمها، فيكون التحريم المذكور في حديث علي وابن عمر منسوخا بحديث سبرة الجهني، ثم تكون الإباحة منسوخة بما في حديث سبرة أيضا، لأن ذلك غير ممتنع.
فإن قيل: روى إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن ابن مسعود قال:
" كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا نساء، فقلنا: يا رسول الله ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ورخص لنا أن ننكح بالثوب إلى أجل، ثم قال: (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) [المائدة: 87] الآية ". قيل له: هذه المتعة هي التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر الأخبار التي ذكرنا، ولم ننكر نحن أنها قد كانت أبيحت في وقت ثم حرمت، وليس في حديث ابن مسعود ذكر التاريخ، فأخبار الحضر قاضية عليها لأن فيها ذكر الحضر بعد
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»