أبو داود قال: حدثنا عبد الله بن عمر بن ميسرة قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري: " أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا إلى أوطاس، فلقوا عدوا فقاتلوهم وظهروا عليهم فأصابوا منهم سبايا لهن أزواج من المشركين، فكان المسلمون يتحرجون من غشيانهن، فأنزل الله تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) أي هن لكم حلال إذا انقضت عدتهن ". وقد ذكر أن أبا علقمة هذا رجل جليل من أهل العلم، وقد روي عنه يعلى بن عطاء، وروى هو هذا الحديث عن أبي سعيد، وله أحاديث عن أبي هريرة. وهذا حديث صحيح السند قد أخبر فيه بسبب نزول الآية وأنها في السبايا، وتأولها ابن مسعود ومن وافقه على جميع النساء ذوات الأزواج إذا ملكن حل وطؤهن لمالكهن ووقعت الفرقة بينهن وبين أزواجهن.
فإن قيل: أنتم لا تعتبرون السبب وإنما تراعون حكم اللفظ إن كان عاما فهو على عمومه حتى تقوم دلالة الخصوص، فهلا اعتبرت ذلك في هذه الآية وجعلتها على العموم في سائر من يطرأ عليه الملك من النساء ذوات الأزواج فينتظم السبايا وغيرهن! قيل له:
الدلالة ظاهرة في الآية على خصوصها في السبايا، وذلك لأنه قال: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم)، فلو كان حدوث الملك موجبا لإيقاع الفرقة لوجب أن تقع الفرقة بينها وبين زوجها إذا اشترتها امرأة أو أخوها من الرضاعة لحدوث الملك.
فإن قيل: جائز أن يقال ذلك في سائر من طرأ عليهن الملك، سواء كان حدوث الملك سببا لإباحة الوطء أو لم يكن بأن تملكها امرأة أو رجل لا يحل له وطؤها. قيل له: فشأن الآية إنما هو فيمن حدث له ملك اليمين فأباحت له وطأها، لأنه استثناء بملك اليمين من حظر وطء المحصنات من النساء، فواجب على ذلك أنه إذا لم يستبح المالك وطأها بملك اليمين أن تكون الزوجية قائمة بينها وبين زوجها بحكم الآية، وإذا وجب ذلك بحكم الآية وجب أن يكون قوله تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) خاصا في السبايا، ويكون السبب الموجب للفرقة اختلاف الدارين لا حدوث الملك. ويدل على أن حدوث الملك لا يوجب الفرقة ما روى حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: أنها اشترت بريرة فأعتقتها وشرطت لأهلها الولاء، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " الولاء لمن أعتق " وقال لها: " يا بريرة اختاري فالأمر إليك "، ورواه سماك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة مثله. وروى قتادة عن عكرمة عن ابن عباس: " أن زوج بريرة كان عبدا أسود يسمى مغيثا، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أن الولاء لمن أعطى الثمن وخيرها ".