أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٦٨
عقدها على فساد بنص التنزيل، كما يفرق بينهما لو نكحها بعد الاسلام لقوله تعالى:
(وأن تجمعوا بين الأختين)، والجمع واقع بالثانية. وإن كان تزوجهما في عقدة واحدة فهي فاسدة فيهما جميعا لوقوعها منهيا عنها بظاهر النص.
مطلب: النهي عندنا يقتضي الفساد فدل ذلك من وجهين على ما ذكرنا، أحدهما: وقوع العقدة منهيا عنها، والنهي عندنا يقتضي الفساد، والثاني: أنه منع الجمع بينهما بحال، فلو أبقينا عقده عليهما بعد الاسلام كنا مثبتين لما نفاه الله تعالى من الجمع، فدل ذلك على بطلان العقد الذي وقع به الجمع. ومن جهة النظر أنه لما لم يجز أن يبتدئ المسلم عقدا على أختين ولم يجز أيضا أن يبقى له عقد على أختين وإن لم تكونا أختين في حال العقد، كمن تزوج رضيعتين فأرضعتهما امرأة فاستوى حكم الابتداء والبقاء في نفي الجمع بينهما، أشبه نكاح ذوات المحارم في استواء حال البقاء والابتداء فيهما. فلما لم يختلف العقد على ذوات المحارم في وقوعه في حال الكفر وحال الاسلام ووجب التفريق متى طرأ عليه الاسلام وكان بمنزلة ابتداء العقد بعد الاسلام، وجب مثله في نكاح الأختين وأكثر من أربع نسوة، وكما لم يختلف حكم البقاء والابتداء فيهما كما لم يختلف في ذوات المحارم، وجب الحكم بفساده بعد الاسلام كما قلنا في ذوات المحارم.
واحتج من خيره بعد الاسلام بحديث فيروز الديلمي الذي قدمناه، وبما روى ابن أبي ليلى عن حميضة بن الشمردل عن الحارث بن قيس قال: " أسلمت وعندي ثمان نسوة، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أختار منهن أربعا "، وبما روي معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر، أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " خذ منهن أربعا ". فأما حديث فيروز فإن في لفظه ما يدل على صحة العقد وكان قبل نزول التحريم، لأنه قال: " أيتهما شئت "، وهذا يدل على بقاء العقد عليهما بعد الاسلام.
وحديث الحارث بن قيس يحتمل أن يكون العقد كان قبل نزول التحريم، فكان صحيحا إلى أن طرأ التحريم، فلزمه اختيار الأربع منهن ومفارقة سائرهن، كرجل له امرأتان فطلق إحداهما ثلاثا فيقال له: اختر أيتهما شئت، لأن العقد كان صحيحا إلى أن طرأ التحريم.
فإن قيل: لو كان ذلك يختلف لسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت العقد. قيل له: يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد علم ذلك فاكتفى بعلمه عن مسألته.
وأما حديث معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه في قصة غيلان، فإنه مما لا يشك أهل النقل فيه أن معمرا أخطأ فيه بالبصرة، وأن أصل هذا الحديث مقطوع من حديث
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»