أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٣٨
مطلب: فيما تضمنه قوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) من حقوق المرأة على الزوج وقوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) أمر للأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف، ومن المعروف أن يوفيها حقها من المهر والنفقة والقسم وترك أذاها بالكلام الغليظ والإعراض عنها والميل إلى غيرها وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب وما جرى مجري ذلك، وهو نظير قوله تعالى: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) [البقرة:
229].
مطلب: في كراهة الطلاق، وقوله عليه السلام:
" أبغض الحلال عند الله تعالى الطلاق " وقوله تعالى: (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) يدل على أنه مندوب إلى إمساكها مع كراهته لها، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يوافق معنى ذلك، حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا كثير بن عبيد قال: حدثنا محمد بن خالد عن معروف بن واصل عن محارب بن دثار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق ". وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا محمد بن خالد بن يزيد النيلي قال: حدثنا مهلب بن العلاء قال: حدثنا شعيب بن بيان عن عمران القطان عن قتادة عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تزوجوا ولا تطلقوا فإن الله لا يحب الذواقين والذواقات ". فهذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم موافق لما دلت عليه الآية من كراهة الطلاق والندب إلى الإمساك بالمعروف مع كراهته لها، وأخبر الله تعالى أن الخيرة ربما كانت لنا في الصبر على ما نكره بقوله تعالى:
(فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)، وهو كقوله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم) [البقرة: 116].
وقوله تعالى: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا) الآية، قد اقتضت هذه الآية إيجاب المهر لها تمليكا صحيحا ومنع الزوج أن يأخذ منها شيئا مما أعطاها، وأخبر أن ذلك سالم لها سواء استبدل بها أو أمسكها، وأنه محظور عليه أخذ شئ منه إلا بما أباح الله تعالى به أخذ مال الغير في قوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) وظاهره يقتضي حظر أخذ شئ منه بعد الخلوة، فيحتج به في إيجاب كمال المهر إذا طلق بعد الخلوة لعموم اللفظ في حظر الأخذ في كل حال إلا ما خصه الدليل، وقد خص قوله تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) [البقرة: 237] إذا طلق قبل الخلوة في سقوط نصف المهر،
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»