الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٢٠٩
المادية، وفي أي مكان، فتقول: ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون، مسلمين لله ولأوامره تسليما كاملا.
وحقيقة السجود نهاية الخضوع والتواضع والعبادة، وما نؤديه من سجود على الأعضاء السبعة ما هو إلا مصداق لهذا المفهوم العام ولا ينحصر به.
وبما أن جميع مخلوقات الله في عالم التكوين والخلق مسلمة للقوانين العامة لعالم الوجود، التي أفاضتها الإرادة الإلهية فإن جميع المخلوقات في حالة سجود له جل وعلا، ولا ينبغي لها أن تنحرف عن مسير هذه القوانين، وكلها مظهرة لعظمة وعلم وقدرة الباري عز وجل، ولتدلل على أنها آية على غناه وجلاله.. والخلاصة:
كلها دليل على ذاته المقدسة.
" الدابة ": بمعنى الموجودات الحية، ويستفاد من ذكر الآية لسجود الكائنات الحية في السماوات والأرض على وجود كائنات حية في الأجرام السماوية المختلفة علاوة على ما موجود على الأرض.
وقد احتمل البعض: عبارة " من دابة " قيد ل‍ " ما في الأرض " فقط، أي: إن الحديث يختص بالكائنات الحية الموجودة على الأرض.
ويبدو ذلك بعيدا بناء على ما جاء في الآية (29) من سورة الشورى ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة.
صحيح أن السجود والخضوع التكويني لا ينحصر بالكائنات الحية، ولكن تخصيص الإشارة بها لما تحمله من أسرار وعظمة الخلق أكثر من غيرها.
وبما أن مفهوم الآية يشمل كلا من: الإنسان العاقل المؤمن، والملائكة، والحيوانات الأخرى، فقد استعمل لفظ السجود بمعناه العام الذي يشمل السجود الاختياري والتشريعي وكذا التكويني الاضطراري.
أما الإشارة إلى الملائكة بشكل منفصل في الآية فلأن الدابة تطلق على الكائنات الحية ذات الجسم المادي فقط، بينما للملائكة حركة وحضور وغياب،
(٢٠٩)
مفاتيح البحث: سورة الشورى (1)، السجود (5)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»