الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٢١٣
فعندما يثبت أن عالم الوجود منه، وهو الذي أوجد جميع قوانينه التكوينية فينبغي أن تكون القوانين التشريعية من وضعه أيضا، ولا تكون طاعة إلا له سبحانه.
" واصب ": من " الوصوب "، بمعنى الدوام. وفسرها البعض بمعنى (الخالص) (ومن الطبيعي أن ما لم يكن خالصا لم يكن له الدوام. أما الذين اعتبروا " الدين " هنا بمعنى الطاعة، فقد فسروا " واصبا " بمعنى الواجب، أي: يجب إطاعة الله فقط.
ونقرأ في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أن شخصا سأله عن قول الله وله الدين واصبا قال: " واجبا " (1).
والواضح أن هذه المعاني متلازمة جميعها.
ثم يقول في نهاية الآية: أفغير الله تتقون.
فهل يمكن للأصنام أن تصد عنكم المكروه أو أن تفيض عليكم نعمة حتى تتقوها وتواظبوا على عبادتها؟!
هذا.. وما بكم من نعمة فمن الله.
فهذه الآية تحمل البيان الثالث بخصوص لزوم عبادة الله الواحد جل وعلا، وأن عبادة الأصنام إن كانت شكرا على نعمة فهي ليست بمنعمة، بل الكل بلا استثناء منعمون في نعم الله تعالى، وهو الأحق بالعبادة لا غيره.
وعلاوة على ذلك... ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون.
فإن كانت عبادتكم للأصنام دفعا للضر وحلا للمعضلات، فهذا من الله وليس من غيره، وهو ما تظهره ممارساتكم عمليا حين إصابتكم بالضر، فلمن تلتجئون؟
إنكم تتركون كل شئ وتتجهون إلى الله.
وهذا البيان الرابع حول مسألة التوحيد بالعبادة.

1 - تفسير البرهان، ج 2، ص 373.
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»