الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٢١٤
" تجأرون ": من مادة (الجؤار) على وزن (غبار)، بمعنى صوت الحيوانات والوحوش الحاصل بلا اختيار عند الألم، ثم استعملت كناية في كل الآهات غير الاختيارية الناتجة عن ضيق أو ألم.
إن اختيار هذه العبارة هنا إشارة إلى أنه عندما تتراكم عليكم الويلات ويحل بكم البلاء الشديد تطلقون حينها صرخات الاستغاثة اللا اختيارية.. وأنتم بهذه الحال، أتوجهون النداء لغيره سبحانه وتعالى؟! فلماذا إذن في حياتكم الاعتيادية وعندما تواجهون المشاكل اليسيرة تلتجؤون إلى الأصنام؟!
نعم. فالله سبحانه يمسع نداءكم في كل الحالات ويغيثكم ويرفع عنكم البلاء ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون بالعود إلى الأصنام!
وفي الحقيقة... فالقرآن في الآية يشير إلى فطرة التوحيد في جميع الناس، إلا أن حجب الغفلة والغرور والجهل والتعصب والخرافات تغطيها في الأحوال الاعتيادية.
ولكن، عندما تهب عواصف البلاء تنقلع تلك الحجب فيظهر نور الفطرة براقا من جديد ليرى الناس لمن يتوجهون، فيدعون الله مخلصين بكامل وجودهم، فيرفع عنهم أغطية البلاء المتأتية من تلك الحجب، (لاحظوا أن الآية قالت:
كشف الضر أي: رفع أغطية البلاء).
ولكن.. عندما تهدأ العاصفة ويرتفع البلاء وتعودون إلى شاطئ الأمان، تعاودون من جديد على الغفلة والغرور، وتظهرون الشرك بعبادتكم للأصنام مجددا!
وفي آخر آية (من الآيات مورد البحث) يأتي التهديد بعد إيضاح الحقيقة بالأدلة المنطقية: ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون.
ويشبه ذلك بتوجيه النصائح والإرشادات لمنحرف متخلف لا يفيد معه هذا
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»