أي أن محاولة الكشف عن الاعجاز كانت هي الباعث على نشأة علوم اللغة العربية، كما كانت هي السبب الرئيسي في تقدم هذه العلوم.
وكما تلونت بعض التفاسير بالمناهج الفكرية، تلونت كذلك بالمناهج اللغوية البحتة، فكانت لبعضها غلبة الدراسات النحوية مثل تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي.
وبرزت في بعضا العناية بوجوه (البلاغة) وفنون البيان وهو القدر الذي نلحظه في تفسير الكشاف للزمخشري ومن نحا نحوه من المفسرين.
ومن المفسرين من آثر الاهتمام بإبراز الأصول الفقهية وما اشتملت عليه من عبادات ومعاملات كالقرطبي وابن عطية، وابن العربي، والجصاص.
وفى عصرنا الحديث اتجه بعض المفسرين اتجاهين على طريق نقيض: اتجاه جعل علماؤه تفسيرهم (دائرة معارف عامة) يجمعون فيه بين المنقول والمعقول، ويؤلفون فيه بين علوم الشريعة، وعلوم الطبيعة، كما فعل الآلوسي في تفسيره - كما إنه كثيرا ما تختلط في هذا النوع من التفاسير الصحيح منها بالسقيم مما يجعل للإسرائيليات مجالا فيها، مما يجعلها بعيدة عن الثقة، فتكون قابلة للطعن والرفض.
أما الاتجاه الثاني فقد راعى فيه أصحابه حاجة أهل العصر إلى فهم القرآن والوقوف على معانيه من أقرب سبيل دون الاسهاب في التأويل معن العناية بالتركيز والايجاز - وأرادوا من ذلك التيسير على القاري العابر حتى لا يضيع وقته وجهده في مطولات لا حاجة له بها - إذ هي بالمتخصصين والدارسين أجدر، فكان من ذلك (المصحف المفسر للعلامة محمد فريد وجدي) و (المصحف المسير لفضيلة الشيخ عبد الجليل عيسى) و (تفسير فضيلة العلامة الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتى الديار المصرية الأسبق).
والتفسير الذي نقدمه للقاري الاسلامي في هذا السفر: نموذج رفيع لهذا النوع من التفاسير التي تجمع بين الإفادة والتركيز، وتعطى للقاري معاني الآيات من أقرب طريق وأيسره.
(مميزات هذا التفسير) وهو يمتاز على ما ذكرناه من التفاسير المعاصرة بميزات كثيرة سنعرضها على القاري فيما يأتي:
أما مؤلف هذا التفسير الجليل فهو العلامة السيد عبد الله بن السيد محمد رضا الشبر الحسيني، من فرع الدوحة المحمدية الشريفة، وهو حسيني النسب، وقد أشار إلى نسبه هذا في سند إجازته لراوي مؤلفاته العلامة محمد تقي الكاشي.
وقد تلقى علومه - في أول نشأته - على السيد والده محمد رضا الشبر، كما درس على عالم عصره السيد محسن الأعرجي صاحب المحصول والوسائل ومن أجلاء شيوخه الذين أجازوه الإجازة بمروياتهم ومؤلفاتهم وبالتدريس:
العلامة الشيخ جعفر النجفي صاحب كتاب كشف الغطاء في الفقه الجعفري وهو جد الحبر العلامة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء صاحب المؤلفات العديدة القيمة، ومؤلف كتاب أصل الشيعة وأصولها وكتاب المثل العليا في الاسلام.
كما تتلمذ على العلامة الحسيب السيد على الطباطبائي صاحب الرياض.
ولصاحب هذا التفسير مؤلفات عديدة ضخمة تبلغ السبعين كتابا - ذكرت بالتفصيل في أثناء ترجمة المؤلف من الصفحات التالية.
هذا عدا الكثير من المجلدات المطولة التي يشتمل عليها كل كتاب منها، وقد كانت كل هذه المجلدات من الإفاضة والاسهاب بحيث لو قسمت أجزاؤها على سنى حياته التي لم تتجاوز أربعة وخمسين عاما لكانت تبلغ نحو كراسة عن كل يوم ولذلك لقبه أهل عصره بالمجلسي الثاني.