فالكلام يدل على معنى محذوف هو غايته كقولنا: لا يزالون يستضعفون ناصريك ويستقلون عددهم حتى إذا رأوا ما يوعدون الخ.
والمراد بما يوعدون نار جهنم لأنها هي الموعودة في الآية، والآية من كلامه تعالى يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو كانت من كلامه وهي مصدرة بقوله تعالى " قل " لكان من حق الكلام أن يقال: حتى إذا رأيتم ما توعدون فستعلمون الخ.
قوله تعالى: " قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربى أمدا " الأمد الغاية التي ينتهي إليها، والآية بمنزلة دفع دخل تقتضيه حالهم كأنهم لما سمعوا الوعيد قالوا: متى يكون ذلك فقيل له: " قل إن أدري أقريب " الخ.
قوله تعالى: " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا " إظهار الشئ على الشئ إعانته وتسليطه عليه، و " عالم الغيب " خبر لمبتدء محذوف، والتقدير هو عالم الغيب، ومفاد الكلمة بإعانة من السياق اختصاص علم الغيب به تعالى مع استيعاب علمه كل غيب، ولذا أضاف الغيب إلى نفسه ثانيا فقال: " على غيبه " بوضع الظاهر موضع المضمر ليفيد الاختصاص ولو قال: " فلا يظهر عليه " لم يفد ذلك.
والمعنى هو عالم كل غيب علما يختص به فلا يطلع على الغيب وهو مختص به أحدا من الناس فالمفاد سلب كلي وإن أصر بعضهم على كونه سلبا جزئيا محصل معناه لا يظهر على كل غيبه أحدا ويؤيد ما قلنا ظاهر ما سيأتي من الآيات.
قوله تعالى: " إلا من ارتضى من رسول " استثناء من قوله: " أحدا " و " من رسول " بيان لقوله " من ارتضى " فيفيد أن الله تعالى يظهر رسله على ما شاء من الغيب المختص به فالآية إذا انضمت إلى الآيات التي تخص علم الغيب به تعالى كقوله: " وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو " الانعام: 59، وقوله: " ولله غيب السماوات والأرض " النحل: " 77، وقوله: " قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله " النمل: 65 أفاد ذلك معنى الأصالة والتبعية فهو تعالى يعلم الغيب لذاته وغيره يعلمه بتعليم من الله.
فهذه الآيات نظيرة الآيات المتعرضة للتوفي كقوله: " الله يتوفى الأنفس " الزمر: 42 الدال على الحصر، وقوله: " قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم " ألم السجدة: 11، وقوله:
" حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا " الانعام: 61 فالتوفي منسوب إليه تعالى على