تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ١٧٤
4 وظاهر الآية أنها موجود مستقل وخلق سماوي غير الملائكة، ونظير الآية بوجه قوله تعالى: " تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " المعارج: 4.
وأما الروح المتعلقة بالانسان فقد عبر عنها بمثل قوله: " ونفخت فيه من روحي " " ونفخ فيه من روحه " وأتى بكلمة " من " الدالة على المبدئية وسماه نفخا وعبر عن الروح التي خصها بالمؤمنين بمثل قوله: " وأيدهم بروح منه " المجادلة: 22 فأتى بالباء الدالة على السببية وسماه تأييدا وتقوية، وعبر عن الروح التي خصها بالأنبياء بمثل قوله:
" وأيدناه بروح القدس " البقرة: 87 فأضاف الروح إلى القدس وهو النزاهة والطهارة وسماه أيضا تأييدا.
وبانضمام هذه الآيات إلى مثل آية سورة القدر يظهر أن نسبة الروح المضافة التي في هذه الآيات إلى الروح المطلقة المذكورة في سورة القدر نسبة الإفاضة إلى المفيض والظل إلى ذي الظل بإذن الله.
وكذلك الروح المتعلقة بالملائكة من إفاضات الروح بإذن الله، وإنما لم يعبر في روح الملك بالنفخ والتأييد كالانسان بل سماه روحا كما في قوله تعالى: " فأرسلنا إليها روحنا " وقوله: " قل نزله روح القدس " النحل: 102، وقوله: " نزل به الروح الأمين " الشعراء: 193 لان الملائكة أرواح محضة على اختلاف مراتبهم في القرب والبعد من ربهم، وما يتراءى من الأجسام لهم تمثلات كما يشير إليه قوله تعالى: " فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا " مريم: 17 وقد تقدم الكلام في معنى التمثل في ذيل الآية بخلاف الانسان المخلوق مؤلفا من جسم ميت وروح حية فيناسبه التعبير بالنفخ كما في قوله " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي " الحجر: 29.
وكما أوجب اختلاف الروح في خلق الملك والانسان اختلاف التعبير بالنفخ وعدمه كذلك اختلاف الروح من حيث أثرها وهو الحياة شرفا وخسة أوجب اختلاف التعبير بالنفخ والتأييد وعد الروح ذات مراتب مختلفة باختلاف أثر الحياة.
فمن الروح الروح المنفوخة في الانسان قال: " ونفخت فيه من روحي ".
ومن الروح الروح المؤيد بها المؤمن قال: " أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه " المجادلة: 22 وهي أشرف وجودا وأعلى مرتبة وأقوى أثرا من الروح
(١٧٤)
مفاتيح البحث: سورة القدر (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»
الفهرست