قوله تعالى: " وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير " لما أورد بعض آيات ربوبيته تعالى عقبها بالوعيد على من كفر بربوبيته على ما هو شأن هذه السورة من تداخل الحجج والوعيد والانذار.
والمراد بالذين كفروا بربوبيته أعم من الوثنيين النافين لربوبيته لغير أربابهم القائلين بأنه تعالى رب الأرباب فقط، والنافين لها مطلقا والمثبتين لربوبيته مع التفريق بينه وبين رسله كاليهود والنصارى حيث آمنوا ببعض رسله وكفروا ببعض.
والآية مع ذلك متصلة بقوله: " الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور " لما فيها من الإشارة إلى البعث والجزاء متصلة بما قبلها كالتعميم بعد التخصيص.
قوله تعالى: " إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ " قال الراغب: الشهيق طول الزفير وهو رد النفس والزفير مده انتهى، والفوران كما في المجمع ارتفاع الغليان، والتميز: التقطع والتفرق، والغيظ: شدة الغضب، والمعنى: إذا طرح الكفار في جهنم سمعوا لها شهيقا - أي تجذبهم إلى داخلها كما يجذب الهواء بالشهيق إلى داخل الصدر - وهي تغلي بهم فترفعهم وتخفضهم تكاد تتلاشى من شدة الغضب.
قوله تعالى: " كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير " لفوج - كما قاله الراغب - الجماعة المارة المسرعة، وفي قوله: " كلما ألقي فيها فوج " إشارة إلى أن الكفار يلقون في النار جماعة جماعة كما يشير إليه قوله: " وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا " الزمر: 71، وإنما يلقون كذلك بلحوق التابعين لمتبوعيهم في الضلال كما قال تعالى: " ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم " الأنفال: 37، وقد تقدم بعض توضيحه في ذيل الآية من سورة الأنفال.
والخزنة جمع خازن وهو الحافظ على الشئ المدخر والمراد بهم الملائكة الموكلون على النار المدبرون لأنواع عذابها قال تعالى: " عليها ملائكة غلاظ شداد " التحريم: 6، وقال: " وما أدراك ما سقر - إلى أن قال - عليها تسعة عشر وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة " المدثر: 31.
والمعنى: كلما طرح في جهنم جماعة من جماعات الكفار المسوقين إليها سألهم الملائكة الموكلون على النار الحافظون لها - توبيخا - ألم يأتكم نذير؟ وهو النبي المنذر.