قوله تعالى: " ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو خسير " الخاسئ من خسأ البصر إذا انقبض عن مهانة كما قال الراغب، وقال أيضا: الخاسر المعيا لانكشاف قواه، ويقال للمعيا: حاسر ومحسور: أما الحاسر فتصور أنه بنفسه قد حسر قوته، وأما المحسور فتصور أن التعب قد حسره، وقوله عز وجل: " ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير " يصح أن يكون بمعنى حاسر وأن يكون بمعنى محسور. انتهى.
وقوله: " كرتين " الكرة الرجعة والمراد بالتثنية التكثير والتكرير، والمعنى: ثم ارجع البصر رجعة أي رجعات كثيرة ينقلب إليك البصر منقبضة مهينة والحال أنه كليل معينا لم يجد فطورا.
فقد أشير في الآيتين إلى أن النظام الجاري في الكون نظام واحد متصل الاجزاء مرتبط الابعاض.
قوله تعالى: " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح " إلى آخر الآية، المصابيح جمع مصباح وهو السراج سمي الكواكب مصابيح لانارتها وإضاءتها وقد كلام في ذلك في تفسير سورة حم السجدة.
وقوله: " وجعلناها رجوما للشياطين " أي وجعلنا الكواكب التي زينا بها السماء رجوما يرجم بها من استرق السمع من الشياطين كما قال تعالى: " إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين " الحجر: 18، وقال: " إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب " الصافات: 10.
قيل: إن الجملة دليل أن المراد بالكواكب المزينة بها السماء مجموع الكواكب الأصلية والشهب السماوية فإن الكواكب الأصلية لا تزول عن مستقرها والكواكب والنجم يطلقان على الشهب كما يطلقان على الأجرام الأصلية.
وقيل: تنفصل من الكواكب شهب تكون رجوما للشياطين أما الكواكب أنفسها فليست تزول إلا أن يريد الله إفناءها.
وهذا الوجه أوفق للانظار العلمية الحاضرة، وقد تقدم بعض الكلام في معنى رمي الشياطين بالشهب.
وقوله: " وأعتدنا لهم عذاب السعير " أي وهيأنا للشياطين وهم أشرار الجن عذاب النار المسعرة المشتعلة.