تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٥٠
إلى حسن العمل، وقلما يخلو إنسان من حصول أحد الوصفين كالأطفال ومن في حكمهم.
والوصف الحاصل المترتب على وجود الشئ الساري في أغلب أفراده غاية في وجوده مقصودة في إيجاده فكما أن الحياة النباتية لشجرة كذا إذ كانت تؤدي في الغالب إلى إثمارها ثمرة كذا يعد ذلك غاية لوجودها مقصودة منها كذلك حسن العمل والصلاح غاية لخلق الانسان، ومن المعلوم أيضا أن الصلاح وحسن العمل لو كان مطلوبا لكان مطلوبا لغيره لا لنفسه، والمطلوب بالذات الحياة الطيبة التي لا يشوبها نقص ولا يعرضها لغو ولا تأثيم فالآية في معنى قوله: " كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة " الأنبياء: 35.
قوله تعالى: " الذي خلق سبع سماوات طباقا " الخ، أي مطابقة بعضها فوق بعض أو بعضها يشبه البعض - على ما احتمل - وقد مر في تفسير حم السجدة بعض ما يمكننا من القول فيها.
وقوله: " ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت " قال الراغب: الفوت بعد الشئ عن الانسان بحيث يتعذر إدراكه، قال تعالى: " وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار ".
قال: والتفاوت الاختلاف في الأوصاف كأنه يفوت وصف أحدهما الآخر أو وصف كل واحد منهما الآخر، قال تعالى: " ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت " أي ليس فيها ما يخرج عن مقتضى الحكمة. انتهى.
فالمراد بنفي التفاوت اتصال التدبير وارتباط الأشياء بعضها ببعض من حيث الغايات والمنافع المترتبة على تفاعل بعضها في بعض، فاصطكاك الأسباب المختلفة في الخلقة وتنازعها كتشاجر كفتي الميزان وتصارعهما بالثقل والخفة والارتفاع والانخفاض فإنهما في عين أنهما تختلفان تتفقان في إعانة من بيده الميزان فيما يريده من تشخيص وزن السلعة الموزونة.
فقد رتب الله أجزاء الخلقة بحيث تؤدي إلى مقاصدها من غير أن يفوت بعضها غرض بعض أو يفوت من بعضها الوصف اللازم فيه لحصول الغاية المطلوبة.
والخطاب في " ما ترى " خطاب عام لكل من يمكنه الرؤية وفي إضافة الخلق إلى الرحمن إشارة إلى أن الغاية منه هي الرحمة العامة، وتنكير " تفاوت " وهو في سياق النفي وإدخال " من " عليه لإفادة العموم.
وقوله: " فارجع البصر هل ترى من فطور " الفطور الاختلال والوهي، والمراد بإرجاع البصر النظر ثانيا وهو كناية عن المداقة في النظر والامعان فيه.
(٣٥٠)
مفاتيح البحث: الموت (1)، السجود (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 ... » »»
الفهرست