تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٤٤
ولقد افتتحت السورة بتسبيحه وتنزيهه تعالى بعدة من أسمائه الحسنى لما في غرض السورة وهو الحث على الانفاق من شائبة توهم الحاجة والنقص في ناحيته ونظيرتها في ذلك جميع السور المفتتحة بالتسبيح وهي سور الحشر والصف والجمعة والتغابن المصدرة بسبح أو يسبح.
قوله تعالى: " سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " التسبيح التنزيه وهو نفي ما يستدعي نقصا أو حاجة مما لا يليق بساحة كماله تعالى، و " ما " موصولة والمراد بها ما يعم العقلاء مما في السماوات والأرض كالملائكة والثقلين وغير العقلاء كالجمادات والدليل عليه ما ذكر بعد من صفاته المتعلقة بالعقلاء كالاحياء والعلم بذات الصدور.
فالمعنى: نزه الله سبحانه ما في السماوات والأرض من شئ وهو جميع العالم.
والمراد بتسبيحها حقيقة معنى التسبيح دون المعنى المجازي الذي هو دلالة وجود كل موجود في السماوات والأرض على أن له موجدا منزها من كل نقص متصفا بكل كمال، ودون عموم المجاز وهو دلالة كل موجود على تنزهه تعالى إما بلسان القال كالعقلاء وإما بلسان الحال كغير العقلاء من الموجودات وذلك لقوله تعالى: " وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم " أسرى: 44، حيث استدرك أنهم لا يفقهون تسبيحهم ولو كان المراد بتسبيحهم دلالة وجودهم على وجوده وهي قيام الحجة على الناس بوجودهم أو كان المراد تسبيحهم وتحميدهم بلسان الحال وذلك مما يفقه الناس لم يكن للاستدراك معنى.
فتسبيح ما في السماوات والأرض تسبيح ونطق بالتنزيه بحقيقة معنى الكلمة وإن كنا لا نفقهه، قال تعالى: " قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ " حم السجدة: 21.
وقوله: " وهو العزيز الحكيم " أي المنيع جانبه يغلب ولا يغلب، المتقن فعله لا يعرض على فعله ما يفسده عليه ولا يتعلق به اعتراض معترض.
قوله تعالى: " له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير " الكلام موضوع على الحصر فهو المليك في السماوات والأرض يحكم ما يشاء لأنه الموجد لكل شئ فما في السماوات والأرض يقوم به وجوده وآثار وجوده فلا حكم إلا له فلا ملك ولا سلطنة إلا له.
وقوله: " يحيي ويميت " إشارة إلى اسميه المحيي والمميت، وإطلاق " يحيي ويميت " يفيد شمولهما لكل إحياء وإماتة كإيجاده الملائكة أحياء من غير سبق موت، وإحيائه
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»
الفهرست