تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٤٨
قوله: أوتيت جوامع الكلم، وقوله: " هو الأول " قال: أي قبل كل شئ، والآخر " قال: يبقى بعد كل شئ، " وهو عليم بذات الصدور " قال: بالضمائر.
وفي الكافي وروي أنه يعني عليا عليه السلام سئل أين كان ربنا قبل أن يخلق سماء وأرضا؟
قال: أين سؤال عن مكان وكان الله ولا مكان.
وفي لتوحيد خطبة للحسن بن علي عليه السلام وفيها: الحمد لله الذي لم يكن فيه أول معلوم، ولا آخر متناه، ولا قبل مدرك، ولا بعد محدود، فلا تدرك العقول وأوهامها ولا الفكر وخطراتها ولا الألباب وأذهانها صفته فتقول: متى ولا بدئ مما، ولا ظاهر على ما، ولا باطن فيما.
أقول: وقوله أول معلوم الخ، أوصاف توضيحية أي ليس له أول ولو كان له أول كان من الجائز أن يتعلق به علم ولا آخر ولو كان له آخر كان متناهيا، ولا قبل ولو كان لكان جائز الادراك ولا بعد وإلا لكان محدودا.
وقوله: ولا بدئ مما أي لم يبتدأ من شئ حتى يكون له أول ولا ظاهر على ما أي يتفوق على شئ بالوقوع والاستقرار عليه كالجسم على الجسم " ولا باطن فيما " أي لم يتبطن في شئ بالدخول فيه والاستتار به.
وفي نهج البلاغة: وكل ظاهر غيره غير باطن، وكل باطن غيره غير ظاهر.
أقول: معناه أن حيثية الظهور في غيره تعالى غير حيثية البطون وبالعكس، وأما هو تعالى فلما كان أحدي الذات لا تنقسم ولا تتجزى إلى جهة وجهة كان ظاهرا من حيث هو باطن وباطنا من حيث هو ظاهر فهو باطن خفي من كمال ظهوره وظاهر جلي من كمال بطونه.
وفيه: الحمد لله الأول فلا شئ قبله، والآخر فلا شئ بعده، والظاهر فلا شئ فوقه، والباطن فلا شئ دونه.
أقول: المراد بالقبلية والبعدية ليس هو القبلية والبعدية الزمانية بأن يفرض هناك امتداد زماني غير متناهي الطرفين وقد حل العالم قطعة منه خاليا عنه طرفاه ويكون وجوده تعالى وتقدس منطبقا على الزمان كله غير خال عنه شئ من جانبيه وإن ذهبا إلى غير النهاية فيتقدم وجوده تعالى على العالم زمانا ويتأخر عنه زمانا ولو كان كذلك لكان تعالى متغيرا في ذاته وأحواله بتغير الأزمنة المتجددة عليه، وكان قبليته
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»
الفهرست