من أممهم فإنه يهدي بالوحي الذي نزل به، الأنبياء والمؤمنين من أممهم ويسدد الأنبياء خاصة ويهديهم إلى الأعمال الصالحة ويشير عليهم بها.
وعلى هذا تكون الآية في مقام تصديق النبي صلى الله عليه وآله وسلم تصدقه في دعواه أن كتابه من عند الله بوحي منه، وتصدقه في دعواه أنه مؤمن بما يدعو إليه فيكون في معنى قوله تعالى: (إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم) يس: 5.
وقوله: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) إشارة إلى أن الذي يهدي إليه صراط مستقيم وأن الذي يهديه من الناس هو الذي يهديه الله سبحانه، فهدايته صلى الله عليه وآله وسلم هداية الله.
قوله تعالى: (صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض) الخ، بيان للصراط المستقيم الذي يهدي إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتوصيفه تعالى بقوله: (الذي له ما في السماوات وما في الأرض) للدلالة على الحجة على استقامة صراطه فإنه تعالى لما ملك كل شئ ملك الغاية التي تسير إليها الأشياء والسعادة التي تتوجه إليها، فكانت الغاية والسعادة هي التي عينها، وكان الطريق إليها والسبيل الذي عليهم أن يسلكوه لنيل سعادتهم هو الذي شرعه وبينه، وليس يملك أحد شيئا حتى ينصب له غاية ونهاية أو يشرع له إليها سبيلا، فالسعادة التي يدعو سبحانه إليها حق السعادة والطريق الذي يدعو إليه حق الطريق ومستقيم الصراط.
وقوله: (ألا إلى الله تصير الأمور) تنبيه على لازم ملكه لما في السماوات وما في الأرض فإن لازمه رجوع أمورهم إليه ولازمه كون السبيل الذي يسلكونه - وهو من جملة أمورهم - راجعا إليه فالصراط المستقيم هو صراطه فالمضارع أعني قوله: (تصير) للاستمرار.
وفيه إشعار بلم الوحي والتكليم الإلهي، إذ لما كان مصير الأشياء إليه تعالى كان لكل نوع إليه تعالى سبيل يسلكه وكان عليه تعالى أن يهديه إليه ويسوقه إلى غايته كما قال: (وعلى الله قصد السبيل) النحل: 9، وهو تكليم كل نوع بما يناسب ذاته وهو في الانسان التكليم المسمى بالوحي والارسال.