تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٧٤
وأما قول بعضهم: إن المراد بالرسول في قوله: (أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء) هو النبي يبلغ الناس الوحي فلا يلائمه قوله: (يوحي) إذ لا يطلق الوحي على تبليغ النبي.
وأن القسم الثاني (أو من وراء حجاب) وحي مع واسطة هو الحجاب غير أن الواسطة لا يوحي كما في القسم الثالث وإنما يبتدئ الوحي مما وراءه لمكان من، وليس وراء بمعنى خلف وإنما هو الخارج عن الشئ المحيط به، قال تعالى: (والله من ورائهم محيط) البروج: 20، وهذا كتكليم موسى عليه السلام في الطور، قال تعالى: (فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة) القصص: 30، ومن هذا الباب ما أوحي إلى الأنبياء في مناماتهم.
وأن القسم الأول تكليم إلهي للنبي من غير واسطة بينه وبين ربه من رسول أو أي حجاب مفروض.
ولما كان للوحي في جميع هذه الأقسام نسبة إليه تعالى على اختلافها صح إسناد مطلق الوحي إليه بأي قسم من الأقسام تحقق وبهذه العناية أسند جميع الوحي إليه في كلامه كما قال: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) النساء: 163.
وقال: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) النحل: 43.
هذا ما يعطيه التدبر في الآية الكريمة، وللمفسرين فيها أبحاث طويلة الذيل ومشاجرات أضربنا عن الاشتغال بها من أرادها فليراجع المفصلات.
وقوله: (إنه على حكيم) تعليل لمضمون الآية فهو تعالى لعلوه عن الخلق والنظام الحاكم فيهم يجل أن يكلمهم كما يكلم بعضهم بعضا، ولعلوه وحكمته يكلمهم بما اختار من الوحي وذلك أن هداية كل نوع إلى سعادته من شأنه تعالى كما قال: (الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) طه: 50، وقال: (وعلى الله قصد السبيل) النحل: 9، وسعادة الانسان الذي يسلك سبيل سعادته بالشعور والعلم في إعلام سعادته والدلالة إلى سنة الحياة التي تنتهي إليها ولا يكفي في ذلك العقل الذي من شأنه الأخطاء والإصابة فاختار سبحانه لذلك طريق الوحي الذي لا يخطئ البتة، وقد فصلنا القول في هذه الحجة في موارد من هذا الكتاب.
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»
الفهرست