تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٤
اليهود بشريعة موسى دون من بعده وكذا النصارى بشريعة عيسى دون محمد صلى الله عليه وآله وسلم بل الواجب الايمان بكل كتاب نازل من عنده لأنها جميعا من عنده.
وقوله: (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) يشير إلى أن الأعمال وإن اختلفت من حيث كونها حسنة أو سيئة ومن حيث الجزاء ثوابا أو عقابا إلا أنها لا تتعدى عاملها فلكل امرء ما عمل فلا ينتفع أحد بعمل آخر ولا يتضرر بعمل غيره فليس له أن يقدم امرء للانتفاع بعمله أو يؤخر امرء للتضرر بعمله نعم في الأعمال تفاضل تختلف به درجات العاملين لكن ذلك إلى الله فيما يحاسب به عباده لا إلى الناس - النبي فمن دونه - الذين هم جميعا عباد مملوكون لا يملك منهم نفس من نفس شيئا، وهذا هو الذي ذكره تعالى في محاورة نوح عليه السلام قومه: (قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون) الشعراء: 113، وكذا قوله يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ) الانعام: 52.
وقوله: (لا حجة بيننا وبينكم) لعل المراد أنه لا حجة تدل على تقدم بعض على بعض تكون فيما بيننا يقيمها بعض على بعض يثبت بها تقدمه عليه.
ويمكن أن يكون نفي الحجة كناية عن نفي لازمها وهو الخصومة أي لا خصومة بيننا بتفاوت الدرجات لان ربنا واحد ونحن في أننا جميعا عباده واحد ولكل نفس ما عملت فلا حجة في البين أي لا خصومة حتى تتخذ لها حجة.
ومن هنا يظهر أن لا وجه لقول بعضهم في تفسير الجملة: أي لا احتجاج ولا خصومة لان الحق قد ظهر فلم يبق للاحتجاج حاجة ولا للمخالفة محمل سوى المكابرة والعناد انتهى. إذ الكلام مسوق لبيان ما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفسه وفي أمته من سنة التسوية لا لاثبات شئ من أصول المعارف حتى تحمل الحجة على ما حملها عليه.
وقوله: (الله يجمع بيننا) المراد بضمير التكلم فيه مجموع المتكلم والمخاطب في الجمل السابقة، والمراد بالجمع جمعه تعالى إياهم يوم القيامة للحساب والجزاء على ما قيل.
وغير بعيد أن يراد بالجمع جمعه تعالى بينهم في الربوبية فهو رب الجميع والجميع عباده فيكون قوله: (الله يجمع بيننا) تأكيدا لقوله السابق: (الله ربنا وربكم)
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»
الفهرست