تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٩
(لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان) الحديد: 25، على ما هو ظاهر قوله: (معهم).
وقيل: المراد به العدل وسمي العدل ميزانا لان الميزان آلة الانصاف والتسوية بين الناس والعدل كذلك وأيد بسبق ذكر العدل في قوله: (وأمرت لأعدل بينكم).
وفيه أنه لا شاهد يشهد عليه من اللفظ، وقد تقدم أن المراد بالعدل في (لأعدل) هو التسوية بين الناس في التبليغ وفي جريان الحكم دون عدل الحاكم والقاضي.
وقيل: المراد به الميزان المعروف المقدر للاثقال. وهو كما ترى.
وقيل: المراد به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويمكن إرجاعه إلى ما قدمناه من الوجه لان النبي مصداق كامل ومثل أعلى للدين بأصوله وفروعه ولكل فرد من أمته من الزنة الدينية قدر ما يشابهه ويماثله لكن لا يلائم هذا الوجه ما تقدم نقله آنفا من آية سورة الحديد كثير ملاءمة.
وقوله: (وما يدريك لعل الساعة قريب) لما كان الميزان المشعر بالحساب والجزاء يومي إلى البعث والقيامة انتقل إلى الكلام فيه وإنذارهم بما سيستقبلهم فيه من الأهوال والتبشير بما أعد فيه للصالحين.
والادراء الاعلام، والمراد بالساعة - على ما قيل - إتيانها ولذا جئ بالخبر مذكرا، والمعنى: ما الذي يعلمك لعل إتيان الساعة قريب والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعنوان أنه سامع فيشمل كل من له أن يسمع ويعم الانذار والتخويف.
قوله تعالى: (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها) الخ المراد استعجالهم استعجال سخرية واستهزاء وقد تكرر في القرآن نقل قولهم: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين).
والاشفاق نوع من الخوف، قال الراغب: الاشفاق عناية مختلطة بخوف لان المشفق يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه، قال تعالى: (وهم من الساعة مشفقون) فإذا عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر، وإذا عدي بفي فمعنى العناية فيه أظهر، قال تعالى: (إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين) (مشفقون منها) انتهى.
وقوله: (ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد) المماراة الاصرار على الجدال، والمراد إلحاحهم على إنكارها بالجدال، وإنما كانوا في ضلال بعيد لأنهم أخطؤا
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»
الفهرست