ومجموع قوله لهما: " ائتيا " الخ وقولهما له: " أتينا " الخ تمثيل لصفة الايجاد والتكوين على الفهم الساذج العرفي وحقيقة تحليلية بناء على ما يستفاد من كلامه تعالى من سراية العلم في الموجودات وكون تكليم كل شئ بحسب ما يناسب حاله، وقد أوردنا بعض الكلام فيه فيما تقدم من المباحث، و سيجئ شطر من الكلام فيه في تفسير قوله:
" قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ " الآية 21 من السورة إن شاء الله.
وقول بعضهم: إن المراد بقوله: " ائتيا " الخ أمرهما بإظهار ما فيهما من الآثار والمنافع دون الامر بأن توجدا وتكونا مدفوع بأن تكون السماء مذكور فيما بعد ولا معنى لتقديم الامر بإظهار الآثار و المنافع قبل ذكر التكون.
وفي قوله: " ائتيا طوعا أو كرها " إيجاب الاتيان عليهما وتخييرهما بين أن تفعلا ذلك بطوع أو كره، ولعل المراد بالطوع والكره - وهما بوجه قبول الفعل ونوع ملاءمة وعدمه - هو الاستعداد السابق للكون وعدمه فيكون قوله: " ائتيا طوعا أو كرها " كناية عن وجوب إتيانهما بلا مناص وأنه أمر لا يتخلف البتة أرادتا أو كرهتا سألتاه أو لم تسألا فأجابتا أنهما يمتثلان الامر عن استعداد سابق وقبول ذاتي وسؤال فطري إذ قالتا: أتينا طائعين.
وقول بعضهم: " إن قوله: " طوعا أو كرها " تمثيل لتحتم تأثير قدرته تعالى فيهما واستحالة امتناعهما من ذلك لا إثبات الطوع والكره لهما. مدفوع بقوله بعد:
" قالتا أتينا طائعين " إذ لو كان الترديد المذكور تمثيلا فقط من غير إثبات كما ذكره لم يكن لاثبات الطوع في الجواب وجه.
وقوله: " قالتا أتينا طائعين " جواب السماء والأرض لخطابه تعالى باختيار الطوع، والتعبير باللفظ الخاص بأولي العقل - طائعين - لمكان المخاطبة والجواب وهما من خواص أولي العقل، والتعبير بلفظ الجمع دون أن تقولا: أتينا طائعتين لعله تواضع منهما بعد أنفسهما غير متميزة من سائر مخلوقاته تعالى المطيعة لامره فأجابتا عن لسان الجميع، نظير ما قيل في قوله تعالى: " إياك نعبد وإياك نستعين " الحمد: 5.
ثم إن تشريك الأرض مع السماء في خطاب " ائتيا " الخ مع ذكر خلقها وتدبير أمرها قبلا لا يخلو من إشعار بأن بينهما نوع ارتباط في الوجود واتصال في النظام الجاري