المملوءة من الناس والإباق هرب العبد من مولاه.
والمراد بإباقه إلى الفلك خروجه من قومه معرضا عنهم وهو عليه السلام وإن لم يعص في خروجه ذلك ربه ولا كان هناك نهي من ربه عن الخروج لكن خروجه إذ ذاك كان ممثلا لا باق العبد من خدمة مولاه فأخذه الله بذلك، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في تفسير قوله تعالى: " وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه " الأنبياء: 87 قوله تعالى: " فساهم فكان من المدحضين " المساهمة المقارعة والادحاض الغلبة أي فقارع من في السفينة فكان من المغلوبين، وقد كان عرض لسفينتهم الحوت فاضطروا إلى أن يلقوا واحدا منهم في البحر ليبتلعه ويخلي السفينة فقارعوا فأصابت يونس عليه السلام.
قوله تعالى: " فالتقمه الحوت وهو مليم " الالتقام الابتلاع، ومليم من ألام أي دخل في اللوم كأحرم إذا دخل في الحرم أو بمعنى صار ذا ملامة.
قوله تعالى: " فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون " عده من المسبحين وهم الذين تكرر منهم التسبيح وتمكن منهم حتى صار وصفا لهم يدل على دوام تلبسه زمانا بالتسبيح. قيل: أي من المسبحين قبل التقام الحوت إياه، وقيل:
بل في بطن الحوت، وقيل: أي كان من المسبحين قبل التقام الحوت وفي بطنه.
والذي حكي من تسبيحه في كلامه تعالى قوله في سورة الأنبياء: " فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " الأنبياء: 87 ولازم ذلك أن يكون من المسبحين في بطن الحوت خاصة أو فيه وفيما قبله فاحتمال كون المراد تسبيحه قبل التقام الحوت مرجوح لا ينبغي أن يصار إليه.
على أن تسبيحه مع اعترافه بالظلم في قوله: " سبحانك إني كنت من الظالمين " - على ما سيجئ - تسبيح له تعالى عما كان يشعر به (1) فعله من ترك قومه وذهابه على وجهه، وقوله: " فلولا أنه كان من المسبحين " الخ يدل على أن تسبيحه كان هو السبب المستدعي لنجاته، ولازم ذلك أن يكون إنما ابتلي بما ابتلى به لينزهه تعالى فينجو بذلك من الغم الذي ساقه إليه فعله إلى ساحة العافية.