عند الله وأنه ما علم لهم من اله غيره.
فقوله: (ما علمت لكم من اله غيري) سوق للكلام في صورة الانصاف ليقع في قلوب الملا موقع القبول كما هو ظاهر قوله المحكى في موضع آخر: (ما أريكم الا ما أرى وما أهديكم الا سبيل الرشاد المؤمن: 29.
فمحصل المعنى: أنه ظهر للملا أنه لم يتضح له من دعوة موسى وآياته أن هناك إلها هو رب العالمين ولا حصل له علم بأن هناك إلها غيره ثم أمر هامان أن يبنى له صرحا لعله يطلع إلى اله موسى.
وبذلك يظهر أن قوله: (ما علمت لكم من اله غيري) من قبيل قصر القلب فقد كان موسى عليه السلام يثبت الألوهية لله سبحانه وينفيها عن غيره وهو ينفيها عنه تعالى ويثبتها لنفسه، وأما سائر الآلهة التي كان يعبدها هو وقومه فلا تعرض لها.
وقوله: (فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا) المراد بالايقاد على الطين تأجيج النار عليه لصنعة الاجر المستعمل في الأبنية، والصرح البناء العالي المكشوف من صرح الشئ إذا ظهر ففي الجملة أمر باتخاذ الاجر وبناء قصر عال منه.
وقوله: (لعلى أطلع إلى اله موسى) نسب الاله إلى موسى بعناية أنه هو الذي يدعو إليه، والكلام من وضع النتيجة موضع المقدمة والتقدير: اجعل لي صرحا أصعد إلى أعلى درجاته فأنظر إلى السماء لعلى أطلع إلى اله موسى كأنه كان يرى أنه تعالى جسم ساكن في بعض طبقات الجو أو الأفلاك فكان يرجو إذا نظر من أعلى الصرح أن يطلع إليه أو كان هذا القول من قبيل التعمية على الناس واضلالهم.
ويمكن أن يكون المراد أن يبنى له رصدا يترصد الكواكب فيرى هل فيها ما يدل على بعثة رسول أو حقية ما يصفه موسى عليه السلام، ويؤيد هذا قوله على ما حكى في موضع آخر: (يا هامان ابن لي صرحا لعلى أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى اله موسى وانى لأظنه كاذبا) المؤمن: 37.
وقوله: (وانى لأظنه من الكاذبين) ترق منه من الجهل الذي يدل عليه قوله:
(ما علمت لكم من اله غيري) إلى الظن بعدم الوجود وقد كان كاذبا في قوله هذا ولا يقوله الا تمويها وتعمية على الناس وقد خاطبه موسى بقوله: (لقد علمت ما أنزل