وانما سألوا لهم ضعفي العذاب لأنهم ضلوا في أنفسهم وأضلوا غيرهم، ولذلك أيضا سألوا لهم اللعن الكبير.
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها) نهى عن أن يكونوا كبعض بني إسرائيل فيعاملوا نبيهم بمثل ما عامل به بنو إسرائيل من الايذاء وليس المراد مطلق الايذاء بقول أو فعل وان كان منهيا عنه بل قوله: (فبرأه الله) يشهد بأنه كان ايذاء من قبيل التهمة والافتراء المحوج في رفعه إلى التبرئة والتنزيه.
ولعل السكوت عن ذكر ما آذوا به موسى عليه السلام يؤيد ما ورد في الحديث أنهم قالوا: ليس لموسى ما للرجال فبرأه الله من قولهم وسيوافيك.
وأوجه ما قيل في ايذائهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه إشارة إلى قصة زيد وزينب، وان يكن كذلك فمن ايذائه صلى الله عليه وآله وسلم ما في كثير من روايات القصة من سردها على نحو لا يناسب ساحة قدسه.
وقوله: (وكان عند الله وجيها) أي ذا جاه ومنزلة والجملة مضافا إلى اشتمالها على التبرئة اجمالا تعلل تبرءته تعالى له وللآية وما بعدها نوع اتصال بالآيات الناهية عن ايذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا)، السديد من السداد وهو الإصابة والرشاد فالسديد من القول ما يجتمع فيه مطابقة الواقع وعدم كونه لغوا أو ذا فائدة غير مشروعة كالنميمة وغير ذلك فعلى المؤمن أن يختبر صدق ما يتكلم به وأن لا يكون لغوا أو يفسد به اصلاح.
قوله تعالى: (يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) رتب على ملازمة القول السديد اصلاح الأعمال ومغفرة الذنوب وذلك أن النفس إذا لازمت القول السديد انقطعت عن كذب القول ولغو الحديث والكلام الذي يترتب عليه فساد، وبرسوخ هذه الصفة فيها تنقطع طبعا عن الفحشاء والمنكر واللغو في الفعل وعند ذلك يصلح أعمال الانسان فيندم بالطبع على ما ضيعه من عمره في موبقات الذنوب ان كان قد ابتلى بشئ من ذلك وكفى بالندم توبة.